أكد خبراء الاقتصاد ان موجة الغلاء التي تشهدها اسعار جميع انواع السلع والمنتجات الرئيسية، جعلت الوفاء بالتزامات المواسم الثلاثة رمضان والمدارس والعيد ضربا من المستحيل مؤكدين ان الامر يحتاج الي معجزة لادارة احتياجات الاسر المتزايدة في ظل تردي الاوضاع الاقتصادية والدخول المحدودة للمواطن البسيط. الخبراء يأملون ان يحدث الغلاء نقطة تحول في النمط الاستهلاكي عن العشوائية عند الشراء وان يستطيع تحديد اولوياته حسب احتياجاته وموارده. واكد الخبراء ايضا ان عدم تحديد الاولويات سيؤدي الي اندفاع المواطن نحو الشراء حتي لو اضطر للاستدانة وهو ما يعني انه رغم الغلاء فإن الاسواق ستشهد رواجا في ظل الثلاثة مواسم. يشير د. صلاح جودة الخبير الاقتصادي ان لدينا موروث شعبي يتمثل في ارتباط جميع الاحتفالات القومية والدينية بالاسراف في تناول الطعام وزيادة الانفاق علي هذا البند، فعلي سبيل المثال يرتبط عيد الفطر المبارك بشراء الكعك وعيد الاضحي بتناول اللحوم ويوم شم النسيم بالفسيخ والمولد النبوي الشريف بتناول كميات كبيرة من الحلوي. بالاضافة الي ان اللقاءات بين الاسر ترتبط بتناول الطعام بكميات كبيرة مع الوضع في الاعتبار جودة وفخامة النوع المقدم من الطعام الذي يعد دليلا دامغا علي حسن الضيافة. منوها الي ضرورة التخلص من هذه العادات السيئة في ظل الارتفاع الجنوني الذي تشهده اسعار السلع الرئيسية. ويري د.جودة ضرورة الاستغناء مؤقتا عن بعض السلع الكمالية التي اصبحت تمثل ترفا الان. فمن المفارقات التي شهدها السوق هذا الموسم هو استيرادنا كميات ياميش بلغت تكلفتها 200 مليون دولار بزيادة قدرها 20 مليون دولار عن العام الماضي. مؤكدا ان زيادة الكمية المستوردة من الياميش تعد مؤشرا صارخا علي زيادة نسبة الاستهلاك هذا العام علي الرغم من ارتفاع الاسعار ومحدودية الدخل. ويضيف د. جودة ان الامل في ترشيد الاستهلاك يعتمد علي نوعية الجيل الجديد من الشباب بالانماط الصحية للاستهلاك عن طريق حملات اعلانية تدشنها الجميعات الاهلية تطالب فيها بمقاطعة الياميش وترشيد الاستهلاك لأن الصيام لا يرتبط باستهلاك كميات مضاعفة من المواد الغذائية. ويوضح د. جودة ان الروشتة الاقتصادية المقترحة لتجاوز هذه الازمة الطارئة للمواطن يجب ان تتجنب قدر الامكان بند الاقتراض وتبني مفهوم جديد للتكافل وزكاة المال خلاف مهرجانات موائد الرحمن الذي يشهدها هذا الموسم كل عام. ولن يتحقق ذلك الا من خلال تفعيل دور المجتمع المدني داخل المحافظات. ويري د. جودة ضرورة تقسيط مصروفات المدارس وهي دعوة يجب ان تتبناها وزارة التربية والتعليم خاصة بعد اقرار الوزارة علي عدم تأجيل العام الدراسي. كما يتعين السعي وراء اصلاح "العيوب" التي يزخر بها الكتاب المدرسي الذي يتكلف 8 مليارات جنيه سنويا، رغم عدم استفادة التلاميذ منه والتكالب علي شراء "الكتب الخارجية". ويوضح د. حمدي عبدالعظيم الخبيرالاقتصادي ان الارتفاعات المتوالية للاسعار، بالاضافة الي ارتفاع معدل التضخم يصل الي 25% حسب الاحصاء الرسمي الاخير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، يضع المواطن المصري في مأزق حقيقي خاصة في ظل محدودية الدخل في مجتمعنا من ناحية وحرصه بكم العادة علي شراء سلع رمضان من المواد بكميات مضاعفة ابرزها علي الإطلاق الاستهلاك الجنوبي للسكر والزيت والمسلي والفول واللحوم والألبان وغيرها. هذا بخلاف حرصه الشديد علي شراء الياميش المستورد الأكثر جودة عن بديله المحلي. ويضيف د. عبد العظيم أن فاتورة استهلاك الكهرباء والتليفون لتقضي علي البقية الباقية من دخل المواطن خاصة في ظل حرصه الشديد علي تقديم التهاني بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك. ويشير إلي أنه رغم تدخل الحكومة المصرية بزيادة مخصصات الدعم من زيوت وسكر وشاي علي البطاقات التموينية اهتماما منها بالبعد الاجتماعي حسب التصريحات الأخيرة لوزير التضامن، إلا أن تزامن المواسم الثلاثة رمضان والمدارس والعيد جعل الفاتورة باهظة. فجانب نفقات رمضان يأتي بند مصاريف المدارس الذي يشمل الكتب المدرسية والمصروفات والدروس الخصوصية والمواصلات وكذلك بعض الأدوات المكتبية والتي شهدت بالفعل زيادة مطردة هذا العام. أما فاتورة العيد فلها ميزانية خاصة يحرص رب الأسرة علي الاقتصاد من نفقات العام كله لمحاولة تلبية متطلباتها ولكن هذا الإجراء لن يجدي هذا العام. ويتوقع د. حمدي عبدالعظيم أن ينجح الغلاء ومحدودية الدخل في إعادة صياغة النمط الاستهلاكي للمواطن المصري حتي يمكنه مجابهة نفقات المعيشة فمثلا سيقتصر ياميش رمضان هذا العام عند أغلب المواطنين علي البلح فقط ولن تفلح اغراءات التجار وعروضهم التسويقية في جعل المواطن يقبل علي شراء السلع الترفيهية. يقترح د. عبدالعظيم حل هذه الأزمة الاقتصادية التي يتعرض لها المواطن أن يتم انتقاء أصناف محدودة من المواد الغذائية بكيمات ضئيلة لترشيد الفاقد، كما يتعين تحديد أولويات السلع التي لاغني عنها وهو ما يتدرج تحت بند ترشيد الاصناف المستهلكة للغذاء من حيث الكمية والعدد. كما يتعين للحكومة المصرية أن تلعب دورا رئيسيا في تخفيف العبء علي المواطنين بتأجيل سداد المصروفات الدراسة ثلاثة أشهر كاملة مادامت رفضت تأجيل بداية العام الدراسي حتي بعد شهر رمضان. يشير د. صلاح الدسوقي - عميد المركز العربي للإدارة والتنمية إلي أن المواطن المصري البسيط يحتاج إلي عصا سحرية لتجاوز ثالوث رمضان والمدراس والعيد وتلبية متطلباته التي تتعلق بدورها بالمأكل والتعليم والصحة وهي احتياجات لا يمكن الاستغناء عنها. موضحا أن الحديث عن الإسراف في الاستهلاك أصبح "موضة قديمة" حيث إن الارتفاع الجنوني لأسعار السلع مقارنة بمستوي الدخول نجح بالفعل في تحجيم قدرة المواطن علي الشراء وجعله يضع قائمة جديدة لأولوياته.