رحل يوسف شاهين الفنان المغامر الذي لم يترك مجالا إلا وغاص فيه ولم يترك قضية إلا وكان متسائلا أو متحاورا فيها. لم يفقد شاهين قدرته علي الدهشة رغم كل التجارب الفنية والحياتية التي عاشها وكان دائما يبحث عن الجديد منذ بدأ مشواره في "باب الحديد" وحتي "هي فوضي" وما بين باب الحديد والفوضي تبدو علامات كثيرة شديدة الثراء في مشواره الفني. والغريب أن هذا الفنان جمع كل تناقضات فن السينما ما بين الواقعية الشديدة في "الأرض" والرومانسية الحالمة في "أنت حبيبي" في فيلم "الأرض" تشاهد شراسة شاهين في ملامح المليجي والعلايلي. ثم تجد نفسك في غاية الدهشة أمام شادية الحالمة وفريد الأطرش الرومانسي والنابلسي ابتسامة الشاشة العربية التي لا تغيب في فيلم "أنت حبيبي". ولم يتراجع يوسف شاهين عن كل القضايا التي آمن بها وعاش من أجلها وفي السنوات الأخيرة كان شديد الشراسة في آرائه الحادة تجاه قضايا الحرية والإصلاح السياسي.. وقد ظهر ذلك في آخر أفلامه "هي فوضي" وقد انزعجت كثيرا من النهاية الدامية للفيلم عندما اقتحم المواطنون قسم الشرطة وحطموا كل شيء فيه. يومها انزعجت من هذا الطرح الشديد القتامة. ولكن هذا هو يوسف شاهين في الأرض وصلاح الدين ولو لم يقدم شاهين سوي هذين الفيلمين فهذا يكفيه أن صلاح الدين وحده فيلم يصنع مخرجا عملاقا فما بالك بهذا المسلسل الطويل من أفلام شاهين التي أضاءت الشاشة العربية. في أحيان كثيرة لم أكن أفهم بعض أفلامه ولكنني كنت أقول لنفسي إن هذا هو فن يوسف شاهين تراه واضحا مثل النهر في "الأرض" وتراه غريبا في "المصير" ولا تحاول أن تبحث عن أسباب حيرة هذا الفنان لأن ذلك سر عبقريته. سوف تخسر السينما العربية بل والعالمية الكثير برحيل يوسف شاهين وسوف يفقد الوسط الفني فنانا مشاغبا جميلا وسوف تخسر قضايا كثيرة لمسات يوسف شاهين التي تهز القلوب وتشعل الحرائق. لم يكن مهادنا ولا مسالما ولا عاديا، كان يبحث دائما عن كل شيء مثير وجديد وهذا هو الإبداع.