تتطلع حملة "لا لنكسة الغاز" إلي جمع مليون توقيع لمنع تصدير الغاز إلي إسرائيل لكنها لم تجمع إلا 25 ألف فقط.. وتسعي إلي إقامة "محكمة شعبية" لمحاكمة مصدري الغاز إلي إسرائيل وترفض نقابتي المحامين والصحفيين إستضافة المحاكمة. فهل هذا يدلل علي غياب التوفيق عن الحملة التي تقودها أسماء لامعة في عالم السياسة والفكر كالمستشار يحيي الجمل والمستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض ومحمد أنور عصمت السادات رجل الأعمال والنائب السابق بمجلس الشعب.. أم أن هناك ضغوطا سياسية قوية تمارس علي الحملة وأيا كانت الأسباب فهل سيكتب لها النجاح وتغير واقع تصدير الغاز في مصر، هذه هي الأسئلة التي طرحناها علي مسئولي الحملة ونحن نتابع ندوتهم في نقابة الصحفيين الأسبوع الماضي. الندوة لم تفتح لها نقابة الصحفيين إحدي قاعاتها وإنما دارت في قاعة الاستقبال بأحد ادوار النقابة، بعد رفض النقابة استضافة المحاكمة الشعبية، وقال لنا محمد أنور عصمت السادات إنه يقدر لنقابة الصحفيين فتح بابها لاستضافة الندوة مشيرا إلي أن الحملة سعت إلي طلب عقد المحاكمة الشعبية من أحزاب المعارضة بالنقابة ولكنها تحفظت أيضا في استضافتها وعلي مضيفا "لم يعد أمامنا إلا أن نطلب من الحزب الوطني استضافة المحاكمة"!! ندرة الموارد وتقوم فكرة الحملة علي الاعتراض علي تصدير الغاز لإسرائيل لأنها ستستخدمه في محاربة الفلسطينيين والعرب كما قال المستشار يحيي الجمل والتحفظ أيضا علي تصدير الغاز للدول الأخري بالأسعار الحالية في ظل ندرة الموارد وارتفاع أسعار البترول عالميا، العنصر الأخير دفع عمرو حمودة الخبير البترولي ومدير مركز الفسطاط للدراسات إلي أن أسعار البترول الحالية والتي يرتبط بها الغاز الطبيعي دفعته إلي الاعتقاد بضرورة وقف تصدير الغاز تماما والاحتفاظ به للأجيال القادمة بدلا من التفكير في إعادة النظر في تسعيره. وعلي الرغم من العثرات التي تواجه الحملة إلا أن القائمين عليها يعتبرون تصريحات وزير البترول الأخيرة بخصوص تصدير الغاز بمراجعة جميع الاتفاقات، ووقف إبرام أي عقود جديدة، انتظارا لاستقرار أسعار البترول عالميا هي رد فعل للضغوط التي مارستها الحملة وقال لنا السادات: إن الحملة سترسل مندوبين إلي المحافظات للتوسع في جمع التوقيعات والوصول إلي المليون توقيع الذي تستهدفه الحملة. ويعتقد خبراء الحملة أن اتجاه مصر لتصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل من خلال شركة غاز شرق المتوسط "اي. ام. جي" تتطلع إليه إسرائيل منذ عام 1969 حيث خرجت العديد من دراسات تتحدث عن مستقبل الطاقة وضرورة الاعتماد علي استيراد الغاز من الدول القريبة، وأن قرب الموقع المصري يوفر لإسرائيل النولون وتستطيع استيراده من خلال الأنابيب وهو ما يؤمنها من مخاطر النقل البحري كما أنه يقوي علاقات التطبيع مع مصر مما يجعل تصدير الغاز جزءا من استراتيجيتها الأمنية مشيرين إلي أن طاقة إسرائيل الكهربائية الحالية 9 جيجاوات وتريد أن ترفعها في 2020 إلي 19 جيجاوات من أجل إنشاء المستوطنات الجديدة وإعادة انتشار المستوطنات القائمة وإنشاء محطات كهرباء في النقب لليهود القادمين من الصومال والحبشة. مخالفة دستورية ويقوم اعتراض الحملة علي تصدير الغاز لإسرائيل علي مخالفة ذلك للمادة 151 من الدستور التي تحتم علي الدولة أن تعرض مثل هذه الاتفاقيات الدولية علي مجلس الشعب وهي لم تعرض بالفعل، والرد الحكومي علي ذلك كان أن اتفاقيات الغاز اتفاقا بين شركات وبين دول وهو الرد الذي وصفه المستشار محمود الخضيري "عذر اقبح من ذنب" ووصف الخضيري عملية تصدير الغاز لإسرائيل "بالخيانة". ووسط تلك العلاقات الملتهبة مع إسرائيل يلوح تساؤل حول امكانية أن تكون الحملة رفضا لفكرة التطبيع مع إسرائيل ذاتها خاصة أن محمد عصمت أنور السادات واحد من أبرز الشخصيات في مجتمع الأعمال المصري وبطرح هذا السؤال علي السادات قال لنا إنه لم يكن له أية علاقات استثمارية علي المستوي الشخصي مع إسرائيل ولكن اتفاقية كامب ديفيد امر واقع، وأنه يعتقد أن خطورة تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل تكمن في ندرة هذا المورد وخطورة تبديده علي الأجيال القادمة. واحدي الآليات التي تعتمد عليها الحملة في تعطيل تصدير الغاز هو رفع دعوي بالقضاء الإداري تختصم القرار الإداري الذي بموجبه تم تصدير الغاز بسبب أن مصر تحتاج لهذا المورد. نظرية الظروف الطارئة ولكن هل طبيعة تعاقدات مصر في تصدير الغاز الطبيعي تسمح لنا بإلغاء التعاقد مع إسرائيل في حال قبول المحكمة للدعوي؟ د. عمرو حمودة خبير الطاقة والأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية يؤكد من الناحية القانونية ممكن إلغاء الاتفاقية مع اسرائيل فأي طرف من حقه أن يفسخ العقد علي ضوء نظرية "الظروف الطارئة" وهي نظرية معروفة في القانون الدولي مشيرا إلي أن تطورات أسعار البترول الحالية لم تكن متوقعة، وإن كانت مصر ستتحمل الشروط الجزائية من جراء إلغاء التعاقد إلا أنها تستطيع أن تعوضها من خلال بيع الغاز بسعر أعلي أو توجيهه محليا لخطط التنمية، لافتا إلي أن سعر الغاز المصري لإسرائيل 75 سنتا للمتر المكعب بينما أدني سعر في أي عقد مصري لأي دولة أخري هو دولار للمتر المكعب، ويشير إلي أن هناك توقعات بأن تكون الزيادة المتوقعة في تعاقدات الغاز بعد مراجعة مجلس الدولة لها ما بين 3،5 إلي 4 دولارات وهي زيادة ضعيفة علاة علي أن هناك تمسكا اسرائيليا بعدم تغيير أسعار التعاقدات الحالية وأن تجعل تحريك السعر في التعاقدات الجديدة فقط. وحول تأثيرات إلغاء التعاقد مع إسرائيل قال لنا حمودة إنه عندما خفضت مصر حجم إنتاجها اليومي من البترول في السنوات العشر الماضية لم تتأثر العلاقات، وكذلك لم يحدث تأثير علي العلاقات بعد تخارج إسرائيل من نشاط تكرير ميدور متسائلا لماذا نعطيهم معاملة تفضيلية؟ وينبه حمودة إلي أن إسرائيل تسعي إلي أن تؤسس بورصة للمنتجات البترولية في الشرق الأوسط وأن دبي تنافسها ببورصة للمنتجات البترولية مرتبطة ببورصة سنغافورة ونيويورك. وقال لنا إن تأسيس مصر لبورصة للبترول أمر بالغ الأهمية فإلي جانب أنه مورد اقتصادي فهو يحمي مصر من سيطرة إسرائيل علي تعاملات المنطقة مشيرا إلي امكانية أن تستفيد مصر من موقعها الجغرافي وتؤسس البورصة في الإسكندرية عند خط أنابيب "سوميد" حيث يعتبر موقعا نشطا لنقل البترول القادم من دول الخليج وإيران. وحول مخاطر تصدير الغاز بصفة عامة قال لنا حمودة إن أحد أبرز أسباب ارتفاع أسعار البترول في الفترة الأخيرة هو مؤشرات نضوب الوقود الاحفوري في العامل وأن وكالة الطاقة العالمية في آخر تقرير لها قالت إنه في سنة 2020 سيكون هناك نقص في عدد براميل البترول 19 مليون برميل يوميا مشيرا إلي أن الغاز الطبيعي من الممكن أن يستخدم محليا كقيمة مضافة للاقتصاد وأنه إذا دخل في الصناعة ستجني مصر ايرادات أكبر 30 مرة عن السعر الذي تبيع به.