اعلان الحكومة عن تبنيها لمبدأ اللامركزية لم تقابله خطوات جادة نحو تنفيذ المبدأ وكانت هذه الخطوات بطيئة للغاية ومع أن تطبيق موازنة البرامج والأداء الذي صدر به القانون 87 لعام 2005 ويلزم الحكومة تبطيق ذلك النوع من الموازنات بديلاً عن موازنة البنوك وجزء من النظام اللامركزي حيث تساهم كل وحدة في النظام الإداري للدولة باختيار البرامج التي تحتاجها والجدول الزمني الذي يتناسب معها.. إلا أن الحكومة تقدمت خلال الفترة الماضية بمشروع موازنة 2008/2009 بنفس موازنات البنود ولم يعد هناك سوي عام واحد لالتزام الحكومة تطبيق موازنة الأداء.. يبقي السؤال: هل ينجح تحقيق ذلك مع غياب أي خطوات جادة ملموسة تجاه ذلك سواء من وزارة المالية أو الحكومة؟! وكما يوضح الدكتور أحمد سامي مستشار وزير المالية فقد أصبحت كل الأنظمة الاقتصادية تؤكد علي ربط الأجر بالأداء بمعني أنه تتم زيادة الانفاق مقابل تحسين الاداء، مشيراً إلي أن المحاسب العام في أمريكا وكندا حقق تلك المعادلة من خلال موازنات الأداء لتحسين الاداء ومقابله تحسين الأجور. ويضيف أنه للارتقاء بالأداء الحكومي وتحقيق الفاعلية وامتصاص السوق السوداء يجب أن نبدأ في تطبيق الأسس الاقتصادية السليمة وأهمها تطبيق موازنات الأداء والتي ظهرت عام 1970 وطالب البنك الدولي الحكومات بتطبيقها منذ عام 2000 مشيراً إلي أنه في مصر رغم إقرار مجلس الوزراء لها وصدور القانون 87 لعام 2005 والخاص بتطبيق موازنة الاداء خلال 5 سنوات منذ ذلك التاريخ ولم يتم تنفيذها للآن. كما يلفت الدكتور عبد الله شحاتة أستاذ المالية العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية إلي أن موازنة البرامج والاداء هي أسلوب لإدارة الأموال الحكومية بأقصي منفعة لتعظيم العائد من الانفاق والحفاظ علي النفقات العامة وتحقيق أقصي كفاءة منها.. مشيراً إلي معضلة الدعم موضحاً أن الحكومة لو تمتلك برامج للدعم ومؤشرات ليقاس كفاءته كانت بمكن أن تضع يدها علي الثغرات لضمان وصوله إلي مستحقيه. ويري الدكتور شحاتة أن موازنة البرامج تحتاج إلي قدرات مهارية وفنية عالية للموظفين القائمين علي اعداد الموازنة وبالتالي كان يجب ان تقوم الحكومة بعد اصدار قانون الموازنة لعام 2005 بوضع برامج تدريبية للموظفين علي اعداد موازنات البرامج أولا لانها تحتاج إلي ميزانيات ووقت وحتي لو بدأت ذلك بقطاعين تم بعد نجاح التجربة قامت بالتعميم. ويضيف ان تطبيق هذا النوع من الموزنات يحتاج لوقت ولجهود وتعديل الكثير من القوانين مشيرا الي ان الدول التي تحولت إلي موازنة البرامج والأداء أخذت سنوات ورغم ان القانون عام 2005 يلزم الحكومة بتطبيق ذلك النوع من الموازنات خلال 5 سنوات الا انه من الصعب ان يحدث ذلك خلال الفترة المتبقية. ويشير د.شحاتة الي ان وحدة تكافؤ الفرص بوزارة المالية تقوم حاليا بتجارب علي موازنة الأداء والبرامج بالنسبة للجزء الخاص علي انشطة المرأة وهي فرصة لتجربة الخبرات واكتشاف الثغرات قبل ان نبدأ بشكل فعلي. ومن جانبه يري الدكتور ايهاب الدسوقي استاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات ان السبب الرئيسي في عدم البدء في تطبيق موازنة الأداء هو العجز في الموازنة بالاضافة إلي الفجوة بين تقديرات الموازنة العامة وما بين الحساب الختامي وهو ما يوضح ان الانفاق العام يحتاج للضبط والترشيد. ويشير الدكتور الدسوقي إلي أن الاختلاف بين التقديرات والتي تظهر خلال الحساب الختامي الذي يناقشه مجلس الشعب سنويا تؤكد صعوبة تطبيق موازنة الأداء أو قياس فاعلية النفقات خاصة ان الحكومة تسعي لتقليص النفقات الاستثمارية كما ان الجزء الاكبر من النفقات في الموازنة موجه للاجور سواء في الحكومة او القطاع العام. ويضيف ان الصعوبة التي تواجه تطبيق ذلك النوع من الموازنات هي العوامل السياسية والاجتماعية لانها تمثل الاعتبار الاساسي لتحديد النفقات وايضا الايرادات.. مطالباً بألا يتم تطبيقها شكليا حين تقرر الحكومة ذلك. اما الدكتورة عالية المهدي مدير مركز البحوث الاقتصادية والمالية بجامعة القاهرة فتري ان موازنات البرامج والأداء أسهل في تحقيق أهداف التنمية كما انها الأسهل في المتابعة وتحقيق الأهداف من النفقات الاستثمارية وهو ما لا يتوافر في موازنات البنوك والتي تقوم علي التفاوض بين ما تطلبه الوزارات المختلفة ووزارة المالية. وتضيف ان هناك مشكلة خلال التطبيق لذلك النوع من الموازنات لانه يحتاج لخبرات حتي في المستويات الأدني من الادارة فمثلا وحدات الادارة المحلية لا تستطيع ان تقوم بعمل دراسات جدوي للمشروعات وتحديد البرامج والنفقات لتنفيذها.. مشيرة إلي انه مع سعي وزارة المالية لتقليل العجز في الموازنة بنسبة 1% سنويا سواء من خلال تخفيض النفقات او فرض رسوم وضرائب جديدة يمكنها بعد تقليل او الحد من العجز بين الموازنة والحساب الختامي ان تبدأ فعلا بتطبيق موازنة الأداء. كما تري الدكتورة هناء خير الدين مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية ان تطبيق هذا النوع من الموازنات هو جزء من سعي الحكومة لتطبيق اللامركزية مشيرة إلي انه لم تظهر خطوات جادة حتي الآن لتطبيق اللامركزية والدليل مشروع قانون الضريبة العقارية رغم انها مسئولية المحليات إلا أن الواضح انها ستطبق بشكل مركزي. وتضيف هناء خير الدين ان ارتفاع الأسعار والتزام الحكومة برفع المرتبات والأجور لن تمكن من الحكومة من التحول من موازنات البنود إلي موازنات البرامج والأداء بين يوم وليلة مؤكدة انها لا تري جهوداً واضحة من الحكومة لتنفيذ ذلك النوع من الموازنات رغم ان قانون الموازنة لعام 2005 يلزمها بالتطبيق خلال 5 سنوات واشارت إلي أن انشغال الحكومة بتقليل عجز الموازنة والتغلب علي ارتفاع العجز يجعل من الصعوبة تطبيق ذلك النوع من الموازنات.