هل أصبحنا الغائب الحاضر في منطقة الخليج العربية التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي..؟ ولماذا لم يعد هناك ثقل وتواجد مصري مؤثر ومحسوس في هذه المنطقة الغنية والمهمة في العالم..! إن هناك احساسا بأن مصر غائبة عن قضايا هذه المنطقة وأن الاعلام المصري لا يولي نشاطات وتفاعلات الحياة في دولها اهتماما كبيرا، كما أن هناك شعورا بأن المصريين بشكل عام لا يعرفون الكثير عن مظاهر النهضة العصرية والفكرية في هذه الدول بينما يعرف أهل الخليج كل شيء عن مصر تقريبا..! والحقيقة هي أننا فعلا أهملنا طبيعة وأهمية دورنا وتواجدنا في هذه الدول واعتمدنا علي حقيقة أن العلاقات المصرية الخليجية هي علاقات طيبة وقوية، وأن الاتصالات لا تتوقف علي مستوي القمة. وكان نتيجة هذا الاعتقاد هو أننا لم نهتم كثيرا بالبعثات الدبلوماسية في هذه الدول ولم نرسل في كثير من الأحيان سفراء لنا يتمتعون بالثقل اللازم لتمثيل مصر والتعبير عن مواقفها ومصالحها بل إن هناك انطباعا عاما بين العديد من الدبلوماسيين بأن العمل في هذه الدول هو محطة ثانوية نحو انطلاقة أكبر للعمل في دول أخري في أوروبا وأمريكا. وكان لضعف هذا التواجد الدبلوماسي والاعلامي في هذه الدول انعكاساته علي كل أوجه التأثير الممكنة في العقل الخليجي تجاه مصر حيث جاءت الفاعليات والمناسبات والأنشطة المصرية التي تبرزها مصر علي مستوي متواضع أيضا وضعيف للغاية لا يتناسب ومكانة مصر ولا مع روح العصر..! فالمعارض المصرية للمنتجات التي تقام بين الحين والحين في عدد من الدول الخليجية هزيلة وبمعروضات رديئة وبتنظيم ضعيف ومتواضع، وتصبح في كثير من الأحيان مادة للتندر أكثر من كونها مناسبات لعرض انجازات مصر وتطورها. وحتي الصادرات المصرية لدول لخليج العربية من المواد الغذائية والأقمشة القطنية فقدت بريقها أمام سوء تخزين هذه الصادرات أو ارتفاع أثمانها مقارنة بمثيلاتها القادمة من الدول الآسيوية أو من إيران القريبة من دول الخليج. وعندما يأتي الحديث عن التواجد والتأثير السياسي، فإن الدور المصري أصبح معيبا تماما أمام أطراف محورية في الساحة كلاعبين أساسيين مثل إيران والولايات المتحدةالأمريكية بالطبع التي أصبحت دولة جارة للمنطقة بعد احتلالها العراق. ولقد كانت سنوات المقاطعة العربية لمصر التي بدأت في أعقاب توقيع الرئيس الراحل أنور السادات لمعاهدة السلام مع إسرائيل هي بداية تراجع الدور والتأثير المصري. فقد بدأت دول المنطقة بعد الابتعاد عن مصر في التوجه غربا إلي دول أوروبا وأمريكا واتجهت البعثات التعليمية بكثافة إلي هذه الدول مما أدي إلي نشوء وبروز جيل خليجي جديد يدين ويفخر بالانتماء والارتباط بالثقافة الغربية المتقدمة ويبتعد تدريجيا عن انتماءاته وجذوره العربية خاصة وأن الأجيال القديمة التي كانت تشعر بارتباط عاطفي مع مصر قد بدأت تخلي الساحة بشكل تدريجي لحملة الأفكار الجديدة. ولم تستطع مصر خلال هذه الفترة أن تقدم نفسها كدولة عصرية لديها الجديد رغم كل ما تمتلكه من خبرات بشرية مميزة، وهي خبرات أخذت طريقها إلي دول الخليج العربية بجهود فردية لتعكس ابداعاتها الشخصية بعيدا عن المنظومة المصرية التي أصبحت مثقلة بالاعباء والمشكلات الحياتية التي حدت كثيرا من اتساع الدور المصري الرسمي خارج الحدود. ولولا تواجد هذه الخبرات المصرية في دول الخليج وجهودها المخلصة في أداء واجبها وتفانيها في العمل لكانت مصر قد وجدت نفسها معزولة تماما عن هذه الدول التي بدأت في حقيقة الأمر تغرد بعيدا عن السرب العربي وتصبح أكثر اقترابا من العولمة وأفكارها وقوانينها. وأمام انصهار هذه الخبرات المصرية في المجتمعات الخليجية فإن بعض دول مجلس التعاون بدأت في البحث عن طرق لتوطين هذه الخبرات بما في ذلك تجنيس العديد من أصحابها باعتبار أنهم أصبحوا جزءا من النسيج الخليجي ولدفعهم نحو البقاء وتأمين مستقبل عائلاتهم. ولم تحاول مصر الرسمية الاستفادة من هذا الوضع ولم تستطع أن تفعل الكثير من أجل الارتباط مع ثروتها البشرية الموجودة في دول مجلس التعاون لا من خلال سفاراتها بهذه الدول ولا من خلال الوزارات المعنية في القاهرة واكتفت بنشر أعدادهم وأرقام تحويلاتهم للوطن الأم وكأن محل العلاقة بينها وبينهم هي أنهم يشكلون فقط مصدرا للدخل القومي..! إننا نخسر كثيرا بابتعادنا عن الساحة الخليجية التي تشهد نشاطا عمرانيا كبيرا كان يمكن أن تشارك فيه شركاتنا والتي تشهد ارتفاعا كبيرا في العائدات النفطية كان من الممكن أن يوجد جزء منه لدعم الاقتصاد المصري بدلا من المعونات الأمريكية المشروطة والمهنية.. وسوف تزداد خسارتنا وابتعادنا عن المنطقة لأننا لم نستطع أن نجد اطارا فكريا مختلفا للترابط والتواصل مع القيادات الشابةالجديدة في المنطقة التي لا يؤمن أصحابها كثيرا بالماضي والتاريخ ويتطلعون فقط للمستقبل بكل التجرد والواقعية..!