إذا ما اضطر مؤسس إحدي الشركات خاصة في صناعة الكمبيوتر إلي أن يتولي قيادة العمل التنفيذي فيها بعد ابتعاده لبعض الوقت فإن المخاطر التي تواجهه تكون مضاعفة، وهو إما أن يفشل مثلما حدث مع جيري بانج في ياهو مؤخرا، وإما أن يستعيد سمعته القديمة في عالم الناجحين مثلما حدث مع ستيف جوبز عندما عاد لتولي القيادة في شركة أبل. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هذا يجعلنا نتساءل عن أسباب عودة ميشيل ديل بعد ابتعاده النسبي لمدة 3 سنوات مكتفيا بمنصب رئيس مجلس الإدارة الذي تولي منصب الرئيس التنفيذي في ديل كمبيوتر تلك الشركة التي سبق له أن أسسها وعمره لا يتجاوز ال 19 عاما في غرفة نومه، ويرد ديل علي هذا التساؤل قائلا: إنك عندما تؤسس شركة فإن هذا أمر شخصي جدا وإن اهتمامه بمصير تلك الشركة أمر يمتد حتي إلي ما بعد موته فهو لا يستطيع أن يترك شركته تنهار. ويبدو أن منطق ديل - 43 عاما - قد بدأ يؤتي ثماره فشركته كانت تعد أكبر صانع لأجهزة الكمبيوتر الشخصي قبل أن تفقد هذا العرش لصالح هيوليت - باركارد HP IDC لأبحاث السوق، ولكن لايزال هناك الكثير الذي يتعين علي ديل أن تفعله لكي يحول شركته تجاريا إلي شركة عالمية متعددة الأسواق. ومنذ بدأ ديل صناعة الكمبيوتر الشخصي كان تركيزه علي نوع من الابتكارات مختلفة عما تقدمه الشركات الأخري، وهو علي عكس أبل لم يهتم بالأجهزة ذات المظهر الجذاب أو ببناء شبكة تسويق عالمية تابعة لشركته، حيث كان تركيزه بدلا من ذلك منصب علي الإنتاج حسب الطلب، فهو كان يسمح لزبائنه باختيار المواصفات التي يريدونها وكان يبيع رغم ذلك بسعر رخيص لأنه يسوق من خلال الإنترنت ويستخدم مكونات انتهت فترة ترخيصها ويهتم أساسا بالصيانة، وهذه أساليب لا تتناسب إلا مع المستهلك الأمريكي، ولذلك ظلت ديل كمبيوتر الشركة رقم واحد في السوق الأمريكي، وأكثر من ذلك فقد استخدمت ديل نفس الاسلوب مع أجهزة الخادمات والطابعات وأجهزة تخزين البيانات، وعندما بدا أنه لا أحد يمكنه أن يسبق ديل كمبيوتر تغير السوق، حيث لم يعد النمو رهنا بطلب الشركات، وإنما بطلب الأفراد، كما أن الأسواق الناشئة وليست أسواق الدول الغنية صارت هي الأسرع توسعا وفي الأسواق الناشئة لم يعتاد الناس بعد علي الشراء عبر الإنترنت، وأكثر من ذلك ففي حين أصبح الكمبيوتر الشخصي ذو طاقة أكبر عزف المشترون الأفراد عن شراء هذا النوع الذي يروج أكثر لدي الشركات، وهكذا بدأت أرباح ديل كمبيوتر في التآكل وهو ما اضطر ديل - بجانب عدد من المشكلات الأخري التي واجهت شركته - إلي العودة لمنصب الرئيس التنفيذي من جديد. ويقول ميشيل ديل إن نمو إيرادات شركته من 6 مليارات دولار لتصبح 61 مليار دولار في السنوات العشرة الأخيرة كان يعتمد علي نمط نمو مونوليثي غير قابل للبقاء، وإن الإدارة كانت تركز فقط علي النمو في المدي القصير ولم تكن تعطي أي اهتمام جاد للمستقبل وأهملت تماما البحث عن أساليب اقتراب جديدة أو تنويع للعمل جغرافيا وتجاريا وقد كانت أول خطوة اتخذها الرجل هي انشاء موقع ومدونة للشركة علي الإنترنت لتعريف الناس بالشركة والحوار معهم حول أفضل الطرق لتطويرها، ومقترحاتهم لتحسين جودة المنتجات، ويعترف ديل بأن إجراء حوار إليكتروني عبر الإنترنت مع العملاء ليس فكرة جديدة وانه اقتبسها من تجارب الآخرين، أما الخطوة الثانية التي اتخذها ميشيل ديل فهي العودة إلي البيع عبر المتاجر وهو ما يمكن اعتباره بمثابة ثورة في ثقافة ديل كمبيوتر التسويقية والصناعية علي حد سواء، ويحتاج الأمر دون شك إلي إقامة جهاز تسويق جديد عبر المتاجر إلي جانب جهاز التسويق حسب الطلب عبر الإنترنت، كما يحتاج الأمر إلي تعلم أساليب التعامل الناجحة مع تجار التجزئة وكيفية إدارة العلاقات معهم بما يخدم الأهداف التسويقية. وتريد ديل كمبيوتر أيضا أن تحاكي منافستها هيوليت - باكارد في تقديم الخدمات للزبائن وخاصة في مجال إدارة أنظمة تكنولوجيا المعلومات التي تزداد تعقيدا عاما بعد عام، ولتحقيق هذا الغرض قامت ديل كمبيوتر أخيرا بشراء عدد من شركات الخدمات، حيث يؤكد ميشيل ديل أن الخدمات قطاع لايزال العرض فيه أقل من الطلب وبالتالي فإن هناك فرصة أمام شركته لتحقيق إيرادات وأرباح جيدة منه. والسؤال المهم الآن هو هل طورت ديل كمبيوتر نفسها بحيث تستطيع أن تتفادي الآثار السلبية للركود الأمريكي الراهن؟ والحقيقة كما تقول مجلة "الإيكونوميست" إن ديل كمبيوتر لديها خطة لخفض التكاليف 3 مليارات دولار عبر السنوات الثلاث القادمة والاستغناء عن نحو 8800 عامل، أي نحو 10% من قوة العمل في الشركة، ولكنها لن تستطيع رغم ذلك أن تجعل تكاليفها تحت السيطرة، ومع ذلك فلابد من الاعتراف بأن ديل كمبيوتر قد طورت بعض منتجاتها بالفعل وصارت كمبيوتراتها متواجدة علي أرفف نحو 10 آلاف متجر كثير منها في الأسواق الناشئة والمؤكد أن نجاح خطة ميشيل ديل تتوقف علي مدي ما سيحققه من نجاح في أسواق مثل الصين والهند إلي جانب نجاحه في غزو سوق الكمبيوترات المحمولة الصغيرة "ميني نوتبوك" التي لا يزيد ثمن الواحد منها علي عدة مئات قليلة من الدولارات، بقي أن نقول إن ميشيل كان هو الرئيس التنفيذي لشركة ديل كمبيوتر في العشرين سنة الأولي من عمرها وقد عاد الرجل إلي هذا المنصب من جديد ولكن عليه ألا يرتاح في مقعده إلا بعد أن يجعل من عودته مقدمة لنجاحات جديدة تحرزها الشركة.