لا تردد إسرائيل من حين لآخر في الكشف عن وجهها البشع، وممارسات جيشها الدومية ضد المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وعندما تأتي هذه الحقائق من الجهة التي اقترفتها، فلن يكون هناك نسبة شك واحدة في أنها حدثت بالفعل، والجيش الإسرائيلي طوال سنوات احتلاله للأراضي الفلسطينية يتفنن في اختراع وسائل التعذيب والتنكيل بالفلسطينيين بشتي الطرق سواء في الضفة الغربية أو قطاغ غرة، داخل السجون أو خارجها عند الحواجز والطرقات والبيوت المسكونة بالخوف والرعب من تنكيله الدائم بالمواطنين العزل. آخر هذه الممارسات القمعية والتي لن تكون الأخيرة، ما جاء علي لسان مجموعة من الجنود الذين خدموا في الخليل في السنتين من 2005 إلي 2007 وكشفها تقرير جديد وصفته منظمة "يكسرون الصمت" الإسرائيلية المناهضة للاحتلال، هذا التقرير يكشف صورا مأسوية لواقع الفلسطينيين في مدينة الخليل في الضفة الغربيةالمحتلة، وما يتعرضون له يوميا من ممارسات بشعة يتفنن جنود الاحتلال في ابتكارها إذ وصف التقرير الذي اعتمد افادات أكثر من مئة جندي وضابط إسرائيلي خدموا في المدينة في السنوات الأخيرة ممارسات الجنود الوحشية الناجمة عن تدهور أخلاقي متمثل في التنكيل الجسدي أو أعمال نهب والسرقة من بيوت الفلسطينيين، أو الترهيب والمطاردات وغيرها من ممارسات تعكس صورة مخيفة وبشعة، يضاف إلي ذلك الممارسات التي يقوم بها المستوطنون في الخليل من أعمال ضرب الفلسطينيين أمنية أو نهب ممتلكاتهم أو اتلافها، فضلا عن أجواء الرعب التي يفرضونها في تجوالهم في المدينة وهم يحملون السلاح. وإذا كان من غير المستغرب الممارسات القمعية للاحتلال الإسرائيلي فقد تعود الشعب الفلسطيني علي إجرامه، فإن المفاجأة كانت في عمق الفساد الذي تفشي في صوف الجيش الإسرائيلي، وفي السرعة التي يتحول بها الجنوب إلي مجرمين فأكثرهم يعرف جيدا المعني الأخلاقي لأفعاله. تتحدث الشهادات عن إطلاق النار الحي علي مواطنين عزل ومنهم نساء وأطفال لم يخطأوا أبدا، وعن تنكيل يبلغ حد ترك توشهات وعن إذلال بشر للتمتع بالرتبة، وعن تدمير عن عمد لممتلكات السكان العرب، وعن سرقات من بيوتهم وابتزاز أصحاب حوانيت وعن بلاغات كاذبة للقادة، وتتحدث أيضا عن المستوطنين الذين يربون أبناءهم علي التنكيل بالعرب، وعلي توجيه الشتائم إلي الجنود الذي يدافعون عنهم ورجمهم بالحجارة، فهم من وجهة نظر المستوطنين متواطئون مع الفلسطينيين، بالرفم من كل الممارسات البشعة التي يمارسها الجنود الفلسطينيين فإن هذا القمع من وجهة نظر المستوطنين غير كاف ولا يشفي غليلهم، ولا يفي بإطفاء جذوة الانتقام من الفلسطينيين التي يكون أقلها سوي ترحيلهم من ديارهم وإحلال بيوت المستوطنين بدلا منها، فالمعروف عن مستوطنة كريات ؟؟؟ الموجودة في الخليل والتي لا تضم أكثر من 400 مستوطن هي الشوكة في حلق المواطنين في الخليل وفي الوقت ذاته نقض مضاجع القادة في إسرائيل إذ فقدوا السيطرة علي أفعالهم وسلوكهم مع الوقت ضد الفلسطينيين وضد جنودهم هم شخصيا أيضا. لقد بررت منظمة "يكسرون الصمت" غرضها من نشر التقرير بأنه "لإثارة سجال عام عن الثمن الأخلاقي الذي يدفعه المجتمع الإسرائيلي بأسره في ظل واقع يواجه فيه جنود شباب المدنيين الفلسطينيين يوميا ويتحكمون بهم"، ومن الإفادات التي جمعتها المنظمة وتقشعر له الأبدان: - أحد جنود "الاحتلال" في وحدتنا كان مختل العقل كان يستمتع بالتنكيل، في إحدي المرات تسبب تصرفه في بتر يد شاب فلسطيني، لأن الشاب احتج علي قيام جندي بسرعة علبة سجائر منه، وقام هذا الجندي المختل بلف سلك من الحديد حول يده حتي رأينا كف اليد تتهاوي ولما حاولنا منعه لم نستطع. -جنود تسابقوا من يخنق الفلسطيني بسرعة أكبر كنا نوقف الشباب كل جندي يمسك شاب ويقوم بالضغط علي جنجرته بقوة حتي يقطع نفسه ويغمي عليه، كنا ننظر إلي الساعة لعد الوقت الجندي الذي كان ينفذ المهمة بأطول وقت هو الفائز في المسابقة. - قررنا التسلية بإجراء مسابقة بين الشباب الفلسطينيين الذين أوقفناهم علي الحاجز قلنا من سيصمد منكم أكثر من غيره سنعطيه جائزة ونطلق سراحه أسرع، ما هو الصمود المطلوب يضع أحد الجنود يديه حول عنق أحد المعتقلين ويبدأ في الضغط ونحن ننظر إلي الساعة ويتم تكرار العملية علي بقية الشبان، فمن يصمد أكثر من غيره نسرحه ونعطيه حبة حلوي، ماذا يحدث لهم؟ بالطبع يغمي عليهم المهم من يصمد وقتا أطول قبل أن يغمي عليه. هذه ليست قصص من الخيال، إنما هي روايات حقيقية يرويها جنود الاحتلال عن فترات خدمتهم في الخليل جنوب الضفة الغربية وهي شهادات من واقع أكثر من مائة قصة لا تقل بشاعة رواها الجنود ونشرتها منظمة "يكسرون الصمت" بهدف اطلاع المجتمع عما يفعله جنوده خلال خدمتهم العسكرية لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكن أن تؤثر شهادات بهذا الشكل في تفكير وسلوك المجتمع الإسرائيلي القائم علي العنف أساسا وأيديولوجية "البقاء للأقوي" خاصة أن ممارسات هذا النوع يمارسها الجيش الإسرائيلي من قديم الزمان ومنذ تأسيسه بدءا بالمجازر المروعة التي ارتكبها ضد الفلسطينيين بعد إنشاء دولتهم في 1947 مثل مجزرة كفر قاسم ودير ياسين ؟؟؟ والرملة وقسطل وعسقلان وغيرها من المجازر المروعة مرورا بالتنكيل بالأسري المصريين عام 1967 وتباهي قادة الوحدات العسكرية في ذلك الوقت بما مارسوه من تعذيب ضد الجنود المصريين الأسري، وانتهاء بما يتم ممارسته علي الأرض وبشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، واستحداث وسائل أكثر قمعا ونازية عن سابقاتها في كل يوم. وكيف سيكون هذا الأمر مغالا في ضمير المواطن الإسرائيلي والإعلام الموجه يكرس يوميا الكرة والحقد ضد الفلسطينيين والذي يصورهم بالقتلة والإرهابيين والمغتصبين وليسوا المدافعين عن أنفسهم وعن أرضهم ووطنهم الذي سلبي منهم، وان المقاومة لاسترداد هذه الحقوق هي حق مشروع تعترف به كل الأديان السماوية والوثائق والتشريعات الدولية.