لم نكن يوما شعبا يدفن رأسه بالرمل، بل نواصل البحث دائما عن سبل للتحرر من الاحتلال، وتعددت الأشكال لبلوغ الهدف السامي، ولعظمة التجربة الفلسطينية وتاريخها المشرف، فقد أبدع الفلسطينيون في اختراع أنجع وأفضل الأساليب الكفاحية، وفقا لمبدأ النسبة والتناسب، والحاجة والضرورة، حيث لجأ الفلسطينيون لكافة أشكال المقاومة، وعلى رأسها الشعبية، التي تطورت بصورة أذهلت العالم اجمع، واستحدث الكثير لتطوير هذا النهج المقاوم، الذي اعتبر على رأس عوامل الإسناد دعما للخيار السياسي الوطني، وفتح الباب أمامنا على مصراعيه، لاستقطاب تأييد عالمي نصرة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حلفاء من أوساط صناع التاريخ الأسود للشعوب، وفرضنا حضورا مشهودا له على الساحة الدولية، أدى إلى رفع مستوى تمثلينا على الصعيد الدبلوماسي كشعب واقع تحت الاحتلال يمثل أسمى قضية عادلة شهدها التاريخ المعاصر، التي لا زالت تقلق ممن تتدربوا على وأد حقوق الأخر أو الإطاحة به والسيطرة عليه. وفي هذا الإطار لم نسعى لبناء ترسانة عسكرية، إنما قمنا بتعزيز صمودنا وعدالة قضيتنا داخليا وخارجيا، وخيرنا في بلادنا، فأرضنا كانت ولا زلت مصدر صمود وتمويل رئيس لنا، فحجارتنا الكريمة والكوفية الشامخة، وأبطالنا الأشاوس صناع التاريخ المعاصر، يواصلون تصديهم بصدورهم العارية، لأضخم ترسانة عسكرية، وخامس جيش منظم في العالم، لتحقيق إنجازات سياسية ومعنوية، هذا التحدي وضع المحتلين وحلفائهم في حالة من الحرج والقلق، أمام الرأي العام العالمي، المندد بسياسة احتلال يسعى إلى الالتفاف على حقوق وقدرات الفلسطينيين الكفاحية وتقويضها، إلا ان إسرائيل لم تفلح في شطب الرقم الصعب، رغم ما أوقعته من خسائر فادحة مادية وبشرية في صفوفنا وعن ثني هذا الشعب الصامد من مواصلة كفاحه وخسئت في سحب البساط من تحته أقدامه. ونذكر هنا، إننا الفلسطينيون لم نبحث عن مصادر خارجية لتجيشينا، فجيشنا الشعبي، ولجاننا الشعبية، ووقودنا المحلي، الحجارة، والإطارات المطاطية، الزجاجات الفارغة، النكافة والشجر والجبال والعلِم والعَلم، والمسيرات والمظاهرات الشعبية الحاشدة، شكلت هذا المصادر ولا زالت قلق مفزع للإسرائيليين، و عززت حالة إرباك ورعب في صفوفهم، لما تستحدثه العقلية الفلسطينية، من حالة ابتكار دائم للرد على المغتصب لأرضها، لتهزم الحجارة أسطورة جيش لا يقهر، في إطار مضمون واضح وصريح للمواجهة الشعبية، التي جاءت تحت شعار "لا للاحتلال". وبما أن موضوعنا المقاومة الشعبية، لا بد من التذكير بنماذج كفاحية شعبية، كيف قامت سيدة فلاحة، رد على نشاطات تعسفية إجرامية، لقادة صهاينة متطرفين، بوضع رأس الحاخام المتطرف مؤسس مستوطنة كريات اربع المقامة على ارض خليل الرحمن في مياه عادمة، وكيف طاردت أخرى الإرهابي كهانا بمكنسة بالية رد على محاولة للاعتداء عليها ، وكيف تقاسمنا الخبز والماء والأدوار في آتون حرب الحجارة، وعززت من هويتنا الوطنية باعتماد العلم والكوفية مصدر عزة وقوة لكتبة الشعارات المناهضة للاحتلال، الذين مثل حضورهم وتصديهم لجند الاحتلال أسطورة يشهد لها العالم، وكان التعاون والتعاضد والتكافل والوحدة سيدا للموقف، دفع كل هذا بالمحتلين لدفن الناس أحياء ولاستخدام سياسة تكسير العظام والقتل وارتكاب المجازر البشعة. هذه النهج الكفاحي الذي تبناه الشعب الفلسطيني، عبر مشاركة شعبية عريضة باسلة وبدعم من أصدقائه، لصد الاحتلال، ولمواجهة سياسات وقرارات عسكرية صادرة عن قيادة الاحتلال، يأتي تجديدا لمبايعة الوطن، وتضامنا ومواقع منكوبة على رأسها القدس بيت لحم والخليل وبلعين ونعلين والنبي صالح جيوس نابلس والخليل وجنين وقلقيلية وطولكرم والوطن بمجمله ، تلك المواقع التي يقضمها جدار الفصل العنصري، وينهشها الاستيطان، وقد افشل هذا فشلا ذريعا قرار إغلاق الأراضي الفلسطينية عسكريا، وأصبح التصعيد الكفاحي سيدا للموقف المؤكد على عدم شرعية الاحتلال وجدار الفصل العنصري. وهكذا، يواصل الفلسطينيون وأصدقائهم المتضامنين القادمين من كافة أنحاء العالم بما في ذلك الإسرائيليين الرافضين للسياسة الهستيرية الإسرائيلية، يواصلون الكفاح والتحدي للاحتلال بفضح هذه القوة العاتية، التي تهدف لإخماد الصوت الفلسطيني في التعبير عن رأيه، المقاوم لإجراءاته بطرق سلمية كفاحية، تلك المقاومة التي جوبهت بقمع منقطع النظير على يد احتلال مناهض للحق الفلسطيني في الدفاع عن كرامته وحقوقه المشروعة في التحرر والاستقلال. هنا لا بد من التحذير، من دهاة الخبث في الإدارة الإسرائيلية، الذين يصرون على وضع العصي في دواليبنا، فمن ناحية يحرضون الفلسطينيون على القيام بانتفاضة، لم يحدد العدو ملامحها، ضد من ولماذا؟ ونحن نرى في دعوة كهذه، غطاء لهم ومبررا لرفع مستوى وتائر العنف والاستيطان، وللعبث بمنجزات فلسطينية تتعزز على الأرض، لجرنا لمربع، يشفي غليل هذه الحكومة المتطرفة، ولإدارة الدف لصالحهم عبر العودة لإطلاق الاتهامات الباطلة والتحريض على الفلسطينيين، وإيقاعهم في فخ ما يسمى ممارسة "الإرهاب" لتواصل هذه الحكومة ومن سبقها التستر على جرائم اقترفت بحق الفلسطينيين، الى جانب ما هو معد له مع وقف التنفيذ والساري المفعول. لذلك فإن ما تقوم به إسرائيل على الأرض الفلسطينية، ما هو إلا بمثابة حرب شاملة على الفلسطينيين من طرف واحد، سعيا لاستفزاز الحس الوطني والكفاحي الكامن بخلجاتنا وعقولنا، لتفلت اسرائيل من عقالها غير آبهة، لتشن حرب من جهة ولتروج لم تعودت وتأدلجب عليه منذ قيامها بالتحريض على الفلسطينيين، بهدف الالتفاف حول أي تقدم تجاه أي حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، في محاولة لإيهام الرأي العام والعالمي الرسمي والغير الرسمي بالالتفاف عليه، لإدارة القرص لصالحها، عبر توظيف ما هو مجند لديها، لخفض السقف الفلسطيني و/أو هدمه على رأسنا، من خلال استخدام عامل الوقت والزمن خدمة لإغراض توسعية استعمارية ذات أبعاد سياسية محصنة، تهدف من خلالها إلى إقامة ما يسمى بدولة إسرائيل الكبرى، والزج بالفلسطينيين في مكائد داخلية، بإجبارهم على المثول لسياسة الترانسفير الطوعي لخلعهم من أرضهم.. أمام المستوى الرفيع للوعي الفلسطيني، تعيش إسرائيل اليوم، حالة من الاستنفار والتخبط ، الى جانب الهجوم الاستيطاني المسرطن لأرضنا، لخلق حالة استفزاز لم يسبق لها مثيل في الوسط الفلسطيني، ردا على طول النفس الفلسطيني، القائم على التكتيك والإدراك، لما تشهده الأراضي الفلسطينية من هدوء نسبي في الضفة والقطاع، وللدور القيادي الرسمي والشعبي الفاعل، الداعي إلى التوصل لحل عادل وسلمي للقضية الفلسطينية وفقا لقرارات الشرعية الدولية، هذا الدور السهل الممتنع، الذي يسبب حالة إرباك للمحتل وحلفائه. تقوم اليوم إسرائيل بكافة أنواع الاستفزاز للفلسطينيين، للزج بنا في مكائد داخلية للتفرغ لشن عدوان شامل، للسيطرة على كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك اعتبار القدس "عاصمة أبدية لإسرائيل"، وفقا لقرار الضم الصادر عن الكنيست. واضح لنا تماما ودون أدنى شك ان إسرائيل لم تترك بابا إلا وقامت بطرقه، لنزع فتيل الهدوء النسبي المدروس، الذي يمارسه الفلسطينيون عن دراية ودراسة ونضج ووعي وعملية رصد وإفشال لما تطمح له إسرائيل، وفقا لحسابات سياسية دقيقة، وقد شمل الهجوم الذي تشنه إسرائيل الشعب والقيادة السياسية والأجهزة الأمنية الفلسطينية، مستخدمة سبلا التحريض والتشكيك فيما بيننا للزج بالفلسطينيين في آتون معركة داخلية تثلج قلب إسرائيل، وعلى قول المثل "نطه وفاتهم". أمام ما تطرقنا إليه، فان المجتمع الدولي برأينا موضوع على المحك لدرء العودة لدائرة العنف والعنف المتبادل، وعلى الجميع أن يستثمر ايجابيا الحس الفلسطيني، بصورة خلاقة ومنصفة، وعدم الزج به في معارك غير عادلة، وفي الوقت نفسه نؤكد ان مقاومة الاحتلال حق مشروع أقرته كافة المواثيق الدولية، هذه المقاومة التي شوهت من أطراف معينه، لخدمة استراتيجيات دولية وموازين قوى معينه وعلى رأسها الاسروامريكية، لذلك قرر الفلسطينيون إتباع نهج الدبلوماسية الهادئة، بعدم الانعطاف نحو دوامة العنف لتحقيق آمال إسرائيلية باتت مكشوفة ومفضوحة، وعلى الفلسطينيين الرد على هذه السياسات بمصالحة وطنية شاملة تحول دون النيل منهم. * الكاتبة: صحفية فلسطينية دائرة العلاقات الدولية منظمة التحرير الفلسطينية [email protected]