اكتب دائما ما يحتشد في صدري ويتوق للإفراج علي سن قلمي. كنت كلما عزمت علي السفر لبيروت لمهام تليفزيونية حذرني الأصدقاء منها قائلين "بيروت اليومين دول مش بيروت زمان".. كانت العبارة تطن في أذني واستقبلها بحزن. بيروت "ست الدنيا" كما وصفها الشاعر الدمشقي السوري نزار قباني، يحذرونني منها؟ "بيروت المرفأ والملاذ" كما كتبت عنها أديبة دمشق السورية كوليت خوري، يحذرونني منها؟! ورغم التحذيرات فقد التزمت بالسفر.. كنت دائما اذهب إلي السفارة اللبنانية في القاهرة لأحصل علي تأشيرة الدخول وكان القنصل اللبناني الشاعر ماهر الخير ينصح بتأشيرة لمدة سنة، وكنت أرحب بالفكرة. ذلك أن التأشيرة الطويلة واحدة من أدوات تسهيل السفر. وخلال المرتين الأخيرتين لم أذهب للسفارة إنما ارسلت لي الشاشات التي تطلبني "التأشيرة بالفاكس" بعد ارسال صورة من جواز السفر ملونة علي الإيميل. ولعلها أول مرة اتعامل بها كذلك ولما تقصيت وتحريت قيل إنها "دواع أمنية" فمنذ حوادث الاغتيالات بالجملة التي كان أولها الحريري والبلد يعيش حالة حذر وخوف وتربص واحتمال مكروه.. واكتئاب.. هل رأيتم اكتئاب مدينة؟ أنا رأيتها في بيروت! فالمطار الذي كان يزغرد لاستقبال زواره من كل الدنيا كان هادئا هدوء الحذر. وحركة الحياة التي كانت صاخبة صارت هامدة. والكشف عن التأشيرات التي يحملها الزوار يستغرق وقتا طويلا للتأكد من شخصية الزائر الكريم.. غابت ابتسامة ضباط الجوازات إلا قليلا.. صار الخروج من الدائرة الجمركية يستغرق وقتا لعل وعسي، فالريبة تحكم المدينة. من يدري، لعل القادم لبيروت يحمل متفجرات اختفت بحيل شيطانية. ولما ذهبت إلي الفندق الكبير وضعت الموبايل بالأمر علي "طاولة الكشف الإلكتروني" واذهلني ما سمعت. هناك موبايلات وضعت بداخلها متفجرات تنفجر بمجرد أن يدق الجرس، إنها تنفجر في صاحبها في الحال! وصلت الحيل الشيطانية إلي بيروت التي كانت آمنة ويحتويها البحر بين ذراعيه، داخل الفندق رجال الأمن يتحركون بحذر بالغ فأي دقيقة حبلي بمفاجأة غير متوقعة أو هجوم غير مسبوق. التليفونات التي كانت تدق في غرفتي كنت استقبلها بضيق فقد تحمل خبرا سيئا! عندما خرجت من الفندق لأذهب وسط البلد "سوليدير" فوجدته مغلقا. ذلك المكان الذي كان "يلعلع" في مثل هذه الأيام.. مقاهي الكورنيش تشكو الوحدة. المناقشات السياسية تبدأ وتموت بعد دقائق. هذا البلد العيَّاش مصاب أيضا باكتئاب. الأصدقاء الذين طلبت رؤيتهم اقترحوا أن نتقابل في الجبل وبالتحديد في "جونيه" قائلين "إنها أكثر أمانا".. محال شارع الحمرة فقدت الحماس للبيع. الناس يقفون أمام المكتبات يطالعون مانشتات الصحف، تأكدت من اكتئاب بيروت يوم شعرت أن أمور لبنان ليست تماما بيد اللبنانيين.