يمكن للراصد لزماننا الحالي أن يري دون أية ريبة حقيقة تطور الكون، بينما يقف العالم العربي إما قلقا علي الثروة الجديدة التي أضيفت له بارتفاع أسعار النفط مع غلاء مبالغ فيه في أسعار المواد الغذائية مما يجعل الكرب هو السمة الأساسية عند المجتمعات العربية الفقيرة، وإما غارقا في تتبع مسارات التقاتل بين حماس وفتح من جهة الأفكار ومحاولة كل منهما تأكيد وضعها علي أرض فلسطين وصدق قول الرئيس مبارك حين حذرهم من التشاجر علي الكعكة قبل أن توجد وإما في انتظار قمة عربية يشوبها من الحرج أكثر مما يمكن أن تمنح الأمة العربية من انجاز، فقد يمنح انتخاب رئيس لبنان بعضا من التقاط الأنفاس، ولكن لا مفر من أن يعلو بعد ذلك إما دوي الصراع بين حزب الله في الجنوب اللبناني، وإما تصدير الصراع السني الشيعي الي المنطقة كلها حيث يمكن أن يقوم بعض من الانتحاريين تحت اسم مجموعة "عماد مغنية" بالمزيد من العمليات في إسرائيل ويبدو الأمر في ظاهره هو تجميع لرغبة الأمة في الانتقام من عدوان إسرائيل وإن كان في نفس الوقت يعطي إسرائيل الفرصة لمزيد من العدوان لا علي لبنان فقط، ولكن ربما علي سوريا، ويظل الوضع القلق بين إيران والولايات المتحدة هو الذي يعزف حالة التوتر المكتوم تحت سطح منطقة الشرق الأوسط كلها. فهل هناك رؤية عربية يمكن أن تنسق بين الأهداف العربية بما فيها تحرير الجولان السوري؟ أظن أن تلك الرؤية تحتاج من القادة العرب إلي مزيد من التشاور الذي يمكن أن تقوده كل من مصر والسعودية وهي رؤية تستحق من بعد ذلك مزيدا من الاتصالات لا لوقف النزيف العربي والإهدار في الموارد، ولكن بوضع خريطة للتكامل الاقتصادي وهي خريطة مطلوبة حاليا علي الأقل لتطمئن دول الثروة إلي أنها ستنمو لا بالتواجد في البنوك الغربية ولكن بزراعة ما يمكن أن تحتاجه الشعوب العربية من المحيط إلي الخليج، فلا يمكن أن نظل مصدرين لما يحتاجه الغرب ثم يرفع هو في أسعار الواردات فوق ما تحتمل الخريطة العربية خصوصا في مناطقها المحدودة الإمكانيات والمزدحمة بالبشر. لا أتخيل -مثلا- أن نظل متوقفين عند مشكلة دارفور دون حسم سياسي لها ودون وجود خطة تنمية عربية للسودان ككل ليصبح بيت الرغيف العربي ومازالت تتردد في رأسي جملة سمعتها في مؤتمر الإصلاح العربي الأخير الذي انعقد في مكتبة الاسكندرية تقول الجملة "مال الخليج وقوة العمل من مصر والمغرب وسوريا وفلسطين ثم أراضي السودان هنا تكمن قوة الرغيف العربي وتوجد شمس يمكن أن تقضي علي شبح البطالة من المحيط إلي الخليج". فهل نصون أنفسنا أم نظل أسري مسلسل الدموع علي الدم العربي المهدر والغيظ اللامع في عيون الأجيال الشابة والحيرة في قلوب أهل السياسة؟