القمة الأخيرة لدول مجلس التعاون الخليجي، عقدت في الدوحة، في ظل تحديات داخلية وخارجية خطيرة. فمن الخارج يظل التحدي الأمني هو الهاجس الدائم، وهو هاجس ازداد خطورة مع تطورات الملف النووي الإيراني وما يحمله من مخاطر مواجهة ربما تصل إلي حد المواجهة المسلحة، كما اكتسب هذا الهاجس سخونة أكبر مع ظهور شبح احتمالات تقسيم العراق، بما سيؤدي إليه ذلك من تداعيات جيو سياسية واستراتيجية علي المنطقة بأسرها، وفي مقدمتها منطقة الخليج. ومن الداخل اجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وسط كلام كثير عن صعوبات عرقلت تحقيق تقدم كافي بالنسبة للاتحاد الجمركي والعملة الخليجية الموحدة المقرر صدورها عام 2010. فضلاً عن مشكلة التضخم التي تزايدت حدتها واصبحت تمثل خميرة عكننة للسكان والمقيمين في دول الخليج، فضلاً عن كونها عنصر طارد للاستثمارات الأجنبية في تلك الدول. أضف إلي ذلك معضلة انخفاض اسعار الدولار الذي امتص اكثر من ثلث العوائد المالية الناجمة عن زيادة اسعار البترول في العامين الأخيرين حسب بعض التقييمات. إذن.. التحديات الداخلية والخارجية كبيرة ولا يستهان بها، ومع ذلك فان القمة الخليجية حفلت ببعض المفاجأت، أهمها حضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هذه القمة في سابقة هي الأولي من نوعها. ولم يكن حضوره بروتوكوليا، فقد "أمطر" القمة بعدد كبير من الاقتراحات، منها تأسيس منظمة للتعاون الاقتصادي بين دول المجلس الست وايران فيما يمكن تسميته "منظمة ستة زائد واحد" واتخاذ سلسلة من الاجراءات لتسهيل التبادل التجاري ودعم التعاون والاستثمارات المشتركة تبدأ بالغاء تأشيرات الدخول لمواطن دول المنطقة. واقترح أيضا انشاء منطقة للتجارة الحرة بين دول المنطقة وايران، واقامة مشروعات لامداد منطقة الخليج بمياه الشرب، وإنشاء ممر يربط شمال المنطقة بجنوبها لتسهيل حركة التجارة والسياحة. واختتم الرئيس الايراني اقتراحاته بانشاء صندوق خاص للمساعدة في "رفع الظلم عن الشعوب والدول الفقيرة مثل فلسطين والصومال". وما يهمنا من ذلك هو ذلك التحرك الايجابي من الطرفين رغم الحصار الأمريكي لطهران، وهو ما يجعلنا نعين التساؤل عن "حكمة" إصرار الدبلوماسية المصرية علي الابقاء علي هذه القطيعة الدبلوماسية بين مصر وإيران في وقت تتحرك فيه الدول العربية الأخري، وفي مقدمتها دول الخليج، لتطبيع العلاقات مع هذه الدولة المهمة. ويهمنا ثانيا الاشادة بقدرة دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المشار إليها أن تختتم قمتها الثامنة والعشرين باعلان قيام السوق الخليجية المشتركة اعتبارا من أول يناير 2008 ومتابعة الاجراءات اللازمة لتحقيق الوحدة النقدية بين دول مجلس التعاون. ونرجو أن يصدر عن جامعة الدول العربية تقييم لهذه الخطوة يقول لنا ما إذا كانت هذه المبادرة الخليجية خطوة علي طريق توثيق التعاون العربي أم أنها بالعكس خطوة إلي الوراء تزيد المسافة القائمة بين عرب البترول وعرب الماء.