غاضب أنا من ظروفي الصحية التي منعتني من السفر إلي الاسكندرية، حيث ينعقد الآن مؤتمر عن الحرب وكيفية البحث عن السلام، سر الغضب ببساطة أنني كنت أريد أن أنفجر بما أراه يوميا علي شاشة التليفزيون من بحور الدم التي يتوهم صانعو الصور أن هناك إنساناً أرقي من إنسان، فإن تم قتل فلسطيني، تم تصوير الخبر كأنه حادث سيارة من مئات الحوادث التي تقع كل يوم، أما إن تم قتل إسرائيلي، فالدنيا تقوم ولا تقعد، وإذا ما نظرنا إلي ما يحدث في بغداد حيث تقوم الولاياتالمتحدة بتوظيف شركات للقتل بدعوي أنها شركات للأمن، فالأمر عجيب غريب، ولا أحد يندهش او يتعجب من قتل عشرات أو مئات العراقيين ولكن إن مات جندي أمريكي فالمظاهرات تملأ واشنطن. ويجيء مؤتمر "الكتب أم القنابل" ليؤكد علي الحقيقة القديمة الجديدة، تلك الحقيقة التي تقول إننا أبناء جنس بشري واحد، لا فضل لأحد علي الآخر إلا بما يقدمه من إنتاج يرتقي بالبشرية كلها، وحين نفكر في هذا الأمر نجد أننا نعيش في عصر مزدحم بألوان من الصراعات التي توحي في الخيال أولا بضرورة إبادة من نظن أنهم خصوم، ثم تتم ترجمة هذا الخيال إلي صراع قائم علي الشكوك، ثم تتحول الشكوك إلي نزاعات يستخدم فيها السلاح، فهل هناك من وسيلة ننزع بها السلاح من الكون، لنرصد ما تتكلفه صناعة الأسلحة وتجارتها لمزيد من تنمية البشر؟ لعل هذا هو الموضوع الحلم الذي يرفرف أحيانا في الحياة البشرية، وتتركز تلك الأحلام في عديد من المراكز العلمية التي درست وتدرس كم عانت البشرية من حروب، مثل المكتب الدولي للسلام الذي يتعاون اليوم مع معهد السلام التابع لحركة سوزان مبارك، والذي يعقد مؤتمرا نقاشيا عن تلك المسألة، ويتحدث فيه العديد من أفاضل المصريين الذين خاضوا رحلة العمر مع حروب أرادوا بها تأسيس السلام، أو يقاومون آثار ما تركته الحروب علي الأرض، فتمنع البشر من استخدام ثرواتهم الطبيعية في توفير حياة لائقة للبشر، والمثل علي ذلك فايزة أبو النجا التي تحضر اليوم وهي تحمل في أجندتها طوال الوقت فكرة العمل المشترك من أجل تنقية الصحراء الغربية من ملايين الألغام المتحركة فتنقذ أرضا نحتاجها لمزيد من إنتاج القمح وننقذ بشراً تقرأ أخباراً عن غرق أقران لهم يبحثون عن فرصة حياة في السفر المغامر المكلف للحياة عبر مراكب متهالكة في البحر المتوسط، وتنزعج إيطاليا وألمانيا من هؤلاء المهاجرين، ولكن ما مدي مشاركة كل من ايطاليا وألمانيا وانجلترا في إنقاذ مليوني فدان من الغام الحرب؟ هذا موضوع تتم مناقشته في هذا النهار في جلسات هذا المؤتمر. واذا كان السفير علي ماهر هو المنسق الفاعل لهذا المؤتمر، فأنا واثق أن كل مستنداته ووثائقه ستكون في متناول يدي لأني أعتبر مساندة هذا الحلم في السلام أحد أركان حياتي، علي الرغم من أن دعاة الحروب مازالوا يبيعون تجارتهم، ومازالت تجارتهم هي الرائجة، ولكن مازال الحلم في سلام حقيقي قائماً علي تنمية فرص الحياة اللائقة للبشر، مازال قابلا لاستقبال مؤمنين به. ولكل ذلك مازلت مزدحما بالغضب من ظروفي الصحية التي لم تسمح لي بالمشاركة في هذا المؤتمر.