لم يكن أحد يتصور منذ عام واحد فقط أن واحداً من أكبر بنوك الاستثمار الأمريكية سوف يعتمد علي شركة صينية من أجل انقاذه حتي لو كانت هذه الشركة هي أكبر شركة سمسرة مسجلة في بورصة الصين ولكن هذا بالتحديد هو ما حدث مع بنك الاستثمار الأمريكي بيرستيرنز فالبنك تحاصره التطورات السيئة منذ افلاس اثنين من صناديق التحوط التابعة له في يونية الماضي وذلك إلي جانب الاضطراب العميق في سوق الائتمان العقاري الأمريكي وتقول مجلة "الايكونوميست" إن بير سيتيرنز كان عليه ان يجد شريكا ثريا ولذلك فقد أبرم في 22 اكتوبر الماضي تحالفا استراتيجيا مع سيتيك سيكيورتيز اكبر شركة سمسرة صينية. والحقيقة ان الصفقة لم تكن مفاجأة بالنسبة لمن كانوا يتوقعون أن يواجه البنك الأمريكي اضطرابا ماليا وان كان البنك لايزال يؤكد عدم حاجته الي أي دعم مالي خارجي خصوصا ان لديه سيولة يبلغ حجمها 20 مليار دولار.. ومع ذلك فإن صفقة التحالف تظل خطوة مهمة وكبيرة بالنسبة لبنك بيرستيرنز الذي كان في السابق يبدي حرصا شديدا علي استقلاليته وبمقتضي هذا التحالف فإن كلاً من البنك الأمريكي وشركة السمسرة الصينية سيستثمر في الآخر مليار دولار مع احتمال رفع حصة كل منهما في الاخر الي 9.9% وسيقوم الطرفان بفتح مشروع آسيوي مشترك يكون مقره في هونج كونج ويعمل فيه 500 شخص من عمالة البنك الأمريكي هناك. ويمكن القول ان كلاً من الطرفين سيستفيد من هذا التحالف فقد كانت آسيا نقطة ضعف بالنسبة لنشاط البنك الأمريكي حيث يعتبر انتشاره محدودا هناك بالمقارنة مع البنوك المنافسة والدليل علي ذلك ان بيرستيرنز يحصل علي 25% من ايراداته فقط من خارج السوق الأمريكي في حين تصل هذه النسبة إلي 50% بالنسبة لبنك منافس مثل جولدمان ساكس كذلك فإن سيتيك ستكون همزة وصل بين البنك الأمريكي والشركات الصينية كما انها متصلة بمصدر كبير للاقراض هو سيتيك بنك وبالمقابل فإن بنك الاستثمار الامريكي سيقدم للشركة الصينية خبرة العمل وما لديه من تواجد وعلاقات دولية وخاصة في سوقي الديون والمشتقات التي تكافح البنوك الصينية للحصول علي نصيب فيهما. ولكن ما ينبغي الانتباه إليه هو ان هذا التحالف سيكون اطلالة جيدة لبنك الاستثمار الصيني علي البورصات الصينية التي تضم نحو 50 مليون مستثمر فردي وتبلغ قيمتها الاجمالية قرابة 7.3 تريليون دولار وبالمقابل فإن بيرستيرنز سيكون مدخلا تستخدمه الشركة الصينية سيتيك من أجل خدمة عملائها الراغبين في الحصول علي الائتمان من الأسواق الغربية أو التعامل مع الأسهم في بورصات الغرب كما سيكون البنك الأمريكي أيضا واجهة لاستثمار الاموال الصينية الخاصة والحكومية في السوقين الأمريكي والأوروبي من أجل تحقيق أكبر عوائد ممكنة علي هذه الأموال. وتقول مجلة الايكونوميست انه إذا كانت الشركات الصينية شديدة المهارة في أساليب فك الارتباطات والتحالفات مع الشركاء الاجانب فإن البنك الامريكي يمارس اللعبة من جانبه بحذر وعموما فليس من المحتمل ان تتدخل السياسة في هذا التحالف بين الشركتين الصينية والأمريكية فإذا كان البعض في أمريكا سيشعر بعدم الارتياح لقيام شركة حكومية صينية "تنتمي الي نظام شمولي" بالشراء غير المباشر في وول ستريت فإن سيتيك سيكيورتيز يمكن ان تقدم نفسها كمجرد شريك وليس كطرف جاء لينهب بضراوة ولكن يظل هناك احتمال بأن تتضارب مصالح سيتيك سيكورتيز في وقت ما مع مصالح كبار حملة الاسهم في بيرستيرنز مثل جولويس ملياردير جزر البهاما الذي يملك حصة تبلغ 7% من بنك الاستثمار الامريكي. وبغض النظر عن مثل هذه المحاذير فإن التحالف بين بير وسيتيك يبدو معقولا بالنسبة لكل الأطراف فالشركة الصينية تشتري حصتها في البنك الامريكي بسعر مناسب والبنك الامريكي يتحين الفرص التي سيتيحها له هذا التحالف خاصة في سوق الصين الداخلي الواسع وهو السوق الذي لم تستطع بنوك الاستثمار الامريكية الاخري ان تحصل علي نصيب مناسب فيه حتي الآن.