مع الكارثة المالية الأمريكية العالمية في خريف عام2008 وثبوت فشل السوق وعجز آلياتها الذاتية المسماه بالقوة الخفية عن التصويب والتصحيح. والتأكد البات من حتمية تدخل الدولة للانقاذ العاجل والسريع حتي لا يغرق مجمل الاقتصاد واعماله ومعاملاته ظهر اتجاه قوي في امريكا والدول الغربية والدول الصناعية الكبري المتقدمة, يؤكد حتمية احكام الرقابة علي المؤسسات المالية والادوات المالية بكافة صورها واشكالها بما يعني أن تكون رقابة اجهزة الدولة في حكم الرقابة اللصيقة والدائمة لمنع الأزمات والكوارث والأهم من ذلك ان يتم تعديل التشريعات لفرض الانضباط الشديد علي المؤسسات المالية وأعمالها وانشطتها لتجنب اندفاعها المتهور في المعاملات عالية المخاطر وضرورة الزامها بالقانون بالابتعاد عنها حتي لا يجد دافع الضرائب في النهاية نفسه في مواجهة فاتورة خسائر بالغة الضخامة يجب ان يتحملها وتتحملها الاجيال المقبلة لتسوية اوضاع فاسدة والالتزام فقط لاغير بمساندته قرارات السوق الرشيدة والمنضبطة التي ضاعت ملامحها وابعادها تحت سطوة الاصولية الرأسمالية وتأليهها المفرط لاصنام السوق. ويشير الدكتور احمد نجيب رشدي خبير المصارف الدولي إلي أنه بعد مضي ما يقرب من سنتين منذ سقوط شركتي الاستثمار العملاقتين بير ستيرنز وميريل لينش وتبعتهما شركة ليمان برازارز وهي من كبري شركات الاستثمار العالمية التي كانت لها يد كبيرة في غليان سوق العقارات وهذه كانت سببا مباشرا في انهيار بورصة وول ستريت والبورصات الأوروبية, ودخول الاقتصاد الأمريكي في ركود عظيم, قام مجلس الشيوخ الأمريكي أخيرا يوم الخميس20 مايو الماضي بأغلبية59 منهم أربعة من الجمهوريين ضد49 منهم اثنان من الديمقراطيين, بالموافقة علي مشروع قانون باصلاح تشريعي بعيد المدي للنظام المالي طال انتظاره والذي وضع الكونجرس الأمريكي علي وشك الموافقة النهائية لأول مرة ومنذ77 سنة, علي توسيع سلطة ورقابة الحكومة الفيدرالية علي النظام المصرفي والسوق المالي اللذين زادا تعقيدا. وواضح ان مذكرة لجنة البنوك في مجلس الشيوخ عن مشروع القانون أنه يتجه أساسا إلي منع تكرار أزمة خريف سنة2008, ليس فقط بمنع مسبباتها, بل أيضا بإعادة تنظيم جهات الرقابة الفيدرالية, ومنح بنك الاحتياطي الفيدرالي( البنك المركزي) سلطات موسعة تجعل من واجبه توقع واحتواء الأزمات المستقبلية. إلا أن المشروع تعرض لمعارضات شديدة من الجمهوريين, معظمها مناورات سياسية ضد الرئيس أوباما شخصيا, والادعاء أنه اشتراكي النزعة, وأن الديمقراطيين يسعون إلي زيادة حجم الحكومة الفيدرالية رغم أنه نشر ان بعض الخبراء حذروا من أن المشروع بتركيزه علي أسباب الأزمة ليس كافيا لحماية النظام المالي من انهيار كبير, وكان هذا سببا في تصويت العضوين الديمقراطيين ضد المشروع. وكان مجلس النواب الأمريكي في سنة2008 قد وافق علي تعديلات جزئية لاصلاح الأوضاع في شركتي التمويل العقاري العملاقتين فاني ماي وفريدي ماك واللتين كان لهما دور كبير في سقوط سوق العقارات وكانت الحكومة تقوم بتمويلهما ثم استولت الحكومة عليهما بما يشبه تأميمهما, ولكن حكومة بوش اعترضت علي المشروع لأسباب كثيرة منها أن مخاطره كانت لدافعي الضرائب, واقترحت بالتعاون مع قيادات مجلس الشيوخ انشاء هيئة رقابية تشرف علي الشركتين ورخصت لها بوضع معايير للحد الأدني لرأس مال كل منها, ولكن المشروع لم ير النور حتي قبل نهاية حكم بوش وتولي الرئيس أوباما الحكم في يناير سنة2009, وبعد هذا أعدت الحكومة الجديدة مشروعها الشامل لاصلاح النظام المالي. كانت حكومة الرئيس أوباما السنة الماضية قد أحالت إلي مجلس النواب مشروعها بالاصلاح المالي, وبعد مناقشات حامية وافق المجلس في ديسمبر الماضي علي المشروع بعد إجراء تعديلات فيه, ثم عرض علي مجلس الشيوخ الذي وافق عليه بعد اجراء تعديلات فيه, وهو يتفق في أغلب النقاط الأساسية مع مشروع مجلس الشيوخ, ولكن المشروعين يختلفان في بعض النقط الجوهرية, ونلخص فيما يلي أهم ما تضمنه المشروعان: (1) المشتقات: وهي عقود مالية تعتمد في تحديد قيمتها المالية علي اصول مالية أخري, وهي لا تحدها اللوائح القائمة حاليا ومتاحة لمن يرغب بلا ضمان لحقوق المستثمرين, فهي تتم خارج البورصة وبالتالي فان المستثمرين لا يعرفون حدود مخاطرها. ولهذا يصفها بعض المعلقين بأنها من السهل ان تكرهها ومن الصعب ان تفهمها. ومنها الأوراق المالية المضمونة بالديون العقارية التي ساهمت في حدوث الأزمة في سنة2008 بعد انهيار سوق العقارات, ومثل التزامات الدين المضمون:C.O.D)) والتعامل في المستقبل وفيها يضارب السماسرة علي ارتفاع أو انخفاض سعر المحصولات الزراعية مثل الذرة, أو سعر الفائدة في المستقبل, أو علي أسعار الطاقة, وعلي عقود التمويل العقاري التي تتم بسعر فائدة أقل من السعر الأساسي المحدد من البنك المركزي. والغرض الاقتصادي من هذه المشتقات أنها تسمح للشركات ان تحمي نفسها ضد المخاطر. فاذا كان استمرار ارتفاع سعر البترول الجنوني سيجر احدي شركات الطيران إلي الافلاس فانها تستطيع ان تحمي نفسها بشراء احدي المشتقات التي تساعدها علي مجابهة زيادة السعر, وهو ما اتبعته بعض شركات الطيران فعلا. ولكن للأسف فان كثيرا من المستثمرين يقترضون لسداد قيمة المشتقات, فاذا هبطت قيمة الأخيرة فان خسارة المستثمرين تكون لا حد لها, وهذا بالذات ما حدث فيما يتعلق بالأوراق المالية المضمونة بديون عقارية. كما ان معظم العمليات تتم في مكاتب الشركات وليس في غرف المقاصة في السوق المالي حيث يتبادل ممثلو البنوك المعلومات عن التزامات وحقوق مؤسساتهم. ولهذا قضي مشروع مجلس الشيوخ باجبار الشركات المالية الكبيرة بفصل المشتقات من عملياتها الأساسية وأن تحيلها إلي شركة من توابعها بميزانية منفصلة وبالتالي لا تتأثر قيمة أصولها بقيمة أصول الشركة القابضة, وهذا معناه منع الشركات القابضة الكبيرة من المضاربة في بعضها المشتقات, ولكن مشروع مجلس النواب اكتفي بوضع حدودلهذه المشتقات وان تتم المضاربة في غرف المقاصة. وواضح أن مشروع مجلس النواب اضعف من مشروع مجلس الشيوخ والذي تفضله حكومة أوباما, ولو أنه كان يمكن تحسينه باشتراط التعامل فيها في غرف المقاصة. (2) توسيع سلطات بنك الاحتياطي الفيدرالي: لعلنا نتذكر ان تقاعس البنك المركزي الأمريكي في أواخر عهد رئيسه جرينسبان وفي عهد الرئيس الحالي بن برناركي عن توقع الأزمة واتخاذ اجراءات لحماية السوق كان من أسباب تفاقم الأزمة, وقد نشر أخيرا ان بن بيرنانكي ذكر انه لم يكن هناك ما يمكن عمله لانقاذ الموقف لو كان قد اتضح ان الغليان كان يشمل سوق العقارات, وهو بهذا أنكر تحقق الغليان, ولكنه ذكر ان البنك المركزي لم تكن له أي سلطة قانونية في هذا الشأن وهذا ليس صحيحا فإن بعض الاقتصاديين مثل جوزيف ستيجليتز الاستاذ في جامعة كولومبيا, وبول كروجمان, الاستاذ في جامعة برنستون, وكلاهما حصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد في سنة2001 و2008 علي التوالي, قد لاحظا بداية غليان سوق العقارات وحذرا من تفاقمه وطالبا البنك المركزي وحكومة بوش بالتدخل السريع لانقاذ الدولة من أزمة طاحنة, والواقع أن قانون تنظيم البنك المركزي منذ تعديله في عهد الرئيس رووزفلت وخلال الكساد العظيم في الثلاثينيات من القرن العشرين وما تلاه من تعديلات, ولو انه يسري فقط علي البنوك التجارية ولا يشمل بنوك الاستثمار التي تخضع لرقابة وكالة التعامل في الأسهمSEC, كان يسمح للبنك المركزي بالتدخل للحد من مقدار القروض العقارية التي ترهق ميزانية البنوك والتي كان واضحا ان المدينين لن يستطيعوا سدادها, لمنع انهيار سوق العقارات وحماية المستثمرين في الوقت المناسب في سنتي2006 و2007 عندما بدأ تصاعد ازمة القروض العقارية مثلما فعل بعد الكارثة, أو علي الأقل كان يستطيع الزام البنوك بزيادة رءوس أموالها مثلما فعل مع سيتي جروب في الثمانينيات حين ألزمها بزيادة رأسمالها بمقدار25 مليار دولار, ولولا ان الأمير السعودي وليد بن طلال قد انقذها باستثماره في رأسمالها بهذا المبلغ, لما تردد بنك الاحتياطي الفيدرالي في الاستيلاء عليها وشطبها من سجل البنوك. (3) ولهذا أدرج كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب في مشروعيهما نصين صريحين بمنح البنك المركزي سلطة ليس فقط لحماية الجمهور بل أيضا لحماية البنوك من الشطط في الاقراض. ولكن مشروع مجلس الشيوخ نص علي انشاء مكتب يتبع بنك الاحتياطي الفيدرالي ومنحه سلطات واسعة للاشراف علي عمليات بطاقات الائتمان والقروض العقارية وغيرها من العمليات المالية سعيا وراء حماية المستهلكين من محاولات استغلالهم, ولكن يبدو ان قرارات بنك الاحتياطي في هذا الشأن لا تخضع لمراجعة الكونجرس, ولكن من المفهوم ان هذه القرارات ستصدر علي ضوء القوانين التي أصدرها الكونجرس بتنظيم هذه العمليات, بينما مشروع مجلس النواب يقضي بانشاء وكالة مستقلة لحماية المستهلكين تخضع في اعتماد ميزانيتها, وبالتالي تحديد اختصاصاتها والاشراف عليها, للجنة الميزانية في كل من مجلسي الكونجرس. (4) قاعدة فولكر: ومن أهم الاختلافات بين المشروعين هو ما يتعلق بقاعدة فولكر المنسوبة إلي بول فولكر الرئيس السابق لمجلس ادارة بنك الاحتياط الفيدرالي وأحد كبار المستشارين الاقتصاديين للرئيس أوباما والتي تعيد إلي الحياة قانون جلاس ستيجال الذي أصدره الرئيس روزفلت في سنة1933 ضمن خطته لانقاذ أمريكا من الكساد العظيم, وكان يقضي بفصل البنوك التجارية عن بنوك الاستثمار عن طريق منع البنوك التجارية من المضاربة في البورصة بأموالها محافظة علي قيمة اصولها من الانهيار, والمضاربة فقط بأموال المتعاملين معها ومنع العملية المسماة بالمضاربة بأموال الشركة, وقام الرئيس بيل كلينتون الديمقراطي, بتأييد كبير من الأغلبية الجمهورية في الكونجرس الأمريكي بالغائه ضمن خطته لتحرير التجارة العالمية, وتعرضت بسببه بنوك تجارية كثيرة وخاصة الصغيرة منها إلي خسارات فادحة, وكان بول فولكر قد اقترح علي الرئيس أوباما أن يضمن مشروع الحكومة بالاصلاح المالي احياء القاعدة التي نص عليها قانون جلاس ستيجال, وفعلا أدرجت في المشروع المقدم إلي مجلس الشيوخ نصا مشابها يقضي بمنع أو تقييد بعض الانشطة المالية للبنوك, والشركات المصرفية القابضة, والشركات الأخري التي تسيطر علي مؤسسات تقبل ايداعات الجمهور ومؤمن عليها من هيئة تأمين الودائع الفيدرالية, أو الشركات التابعة لها, أو شركات مالية غير مصرفية تخضع لرقابة مجلس ادارة بنك الاحتياطي الفيدرالي, من المضاربة بأموالها أو تمويل أو الاستثمار في صناديق لحسابها. وهذا نص مهم, إذ انه اذا كان صحيحا كما لاحظ الكثيرون انه اذا سارت الأمور علي ما يرام فان التصرفات ذات المخاطر الكبيرة تحقق عوائد عالية, وتؤدي إلي كبر حجم المؤسسة سريعا, مما يشجع علي زيادة التحمل بالمخاطر, فان العكس يكون صحيحا حين تسوء الأحوال فان ذات الانشطة تولد خسارات فادحة, وقد يؤدي هذا إلي اهتزاز المؤسسة والسوق المالي في مجموعة, واذا كانت المؤسسة مؤمنا عليها من هيئة التأمين الفيدرالية فإن دافعي الضرائب يتحملون الخسارة, وانه عندما تضارب المؤسسة بأموالها سينتج عنه تضارب بين مصلحتها ومصالح عملائها. وقد تقدم عضوان من الديمقراطيين بمجلس الشيوخ باقتراح تعديل هذا النص بما يجعل صياغته اكثر انضباطا وهذا يساعد بالطبع علي سد الثغرات فيه إلا أن أحد الأعضاء الجمهوريين نجح في هزيمة هذا الاقتراح. ولكن بسبب اعتراض الجمهوريين والبنوك علي النص الأصلي لم يكن واضحا ان مجلس الشيوخ قد وافق عليه نهائيا, فانه لدي اتصالي بلجنة الميزانية في المجلس منذ اسبوعين علمت ان هذا النص لا يزال معرضا لتعديلات فيه, يأمل أن يعود النص إلي الحياة حين يحاول المجلسان التوفيق بين مشروعيهما للتوصل إلي نصوص موحدة تعرض للموافقة النهائية علي الرئيس أوباما, خاصة انه من المتوقع ان يعترض الرئيس علي القانون اذا لم يتضمن قاعدة فولكر. وقد نشر في15 يونيو ان القاعدة ستري النور في المشروع الموحد النهائي. (5) معالجة أزمات المستقبل: ومن بين الاختلافات بين المشروعين انه ملافاة لتكرار ما حدث بعد تقديم المعونات المالية الضخمة في سنتي2008 و2009 للبنوك والشركات الكبيرة باعتبارها أكبر من أن تسقط من قيام هذه البنوك والشركات باستخدام المعونة في تضخيم ميزانياتها وصرف حوافز ضخمة لكبار موظفيها بدلا من تمويل المشروعات الصغيرة وتشغيل العمالة, فان مشروع مجلس الشيوخ لا يسعي إلي انقاذ البنك او الشركة التي تتعرض للانهيار, بل يقضي بفصل اداراتهاالعليا وحل مجالس اداراتها وتصفية المؤسسة المنهارة مهما كان حجمها بلا أي اعباء مالية علي دافعي الضرائب, ومنح جهات الرقابة سلطة الاستيلاء علي الشركة, وتقسيمها ثم بيع اصولها, وبمعني اصح انهاء حقوق المساهمين والدائنين. ولكن المشروع لم يوضح ماذا ستفعل الحكومة بالمبالغ التي تحصل عليها من بيع أصول الشركة وهي من حقوق المساهمين, في الوقت الذي لم تتعرض فيه الشركة لاجراءات الافلاس أو التفليس, اذ ان استيلاء الحكومة عليها بمنع الدائنين ضمنا من اشهار افلاس الشركة( ويجوز أن الحكومة فضلت هذا الحل بدلا من اشهار افلاس الشركة لتفادي الأثار السيئة للافلاس علي السوق وان تستعمل الأصول المستولي عليها في تغطية تكاليف التصفية). ولكن استيلاء الحكومة علي المؤسسة علي هذا الوجه يعتبر تأميما بلا تعويض عادل بالمخالفة للقاعدة القانونية المعترف بها دوليا, واذا كانت هذه النتيجة لم يتوقعها مجلس الشيوخ, إلا أنها قد تكون محل مناقشة حادة من مجلس النواب خاصة من الاعضاء الجمهوريين أثناء اجتماع قيادات المجلسين للتوفيق بين المشروعين المقدمين منهما قبل اصدار القانون في شكله النهائي. (6) ويختلف هذا الاجراء الجديد عن اجراءات التفليس في أنه في هذه الحالة الأخيرة تنتهي فيه حقوق المساهمين وتباع الأصول ثم توزع الحصيلة علي الدائنين الذين سجلوا حقوقهم طبقا لنسبة دين كل منهم. ويختلف عن الصلح الواقي عن التفليس في الفصل الحادي عشر من قانون الافلاس الأمريكي ان الشركة التي تعرضت للافلاس يمكنها ان تتوقاه باتفاق مع الدائنين تقره المحكمة وفيه يسمح للشركة ان تستمر في العمل تحت اشراف المحكمة. ولكن مشروع مجلس النواب يقضي بانشاء صندوق بمبلغ150 مليار دولار يمول برسوم تفرض مقدما علي البنوك الكبيرة تستعمل في تصفية الشركات المالية الساقطة, ولكن حكومة الرئيس أوباما تعارض هذا الاجراء اذ انها تعتقد انه سيعرقل قدرتها علي انهيار كبير لإحدي الشركات المالية. وهو ما قد يحدث اذا لم تكف حصيلة الرسوم لتغطية تكاليف التصفية, وقد ذكر بعض الكتاب أن البنوك الكبيرة في هذه الحالة تلتزم بسداد هذه التكاليف والتي قد تصل إلي مليارات من الدولارات في وقت قد لا يكون في قدرتها هذا حين تحل أزمة مستقبلية ولم يوضح هذا الرأي ما هو السند القانوني لالزام البنوك في هذه الحالة. وقد نشر أن هارفي ميللر, احد كبار المحامين المتخصصين في مسائل الافلاس, والذي يبدو انه يفضل استيلاء الحكومة علي الشركات الساقطة بدلا من اشهار افلاسها لتجنب الأثار الضارة بالسوق مثلما حدث بعد ان تقدمت شركة الاستثمار ليمان برازرز إلي المحكمة بطلب اشهار افلاسها مما تبعه اهتزاز السوق كله, اقترح أن يتضمن القانون الجديد النص علي أن تسدد البنوك الكبيرة تكاليف تصفية الشركات الساقطة, بدلا من الزامها بدفع رسم مقدما, وقد اعترض الجمهوريون علي فكرة فرض رسوم علي الشركات أو تخصيص مبالغ كبيرة لتغطية تكاليف تصفية الشركات الساقطة اذ ان هذا, في رأيهم, سيشجع منح معونات للشركات الساقطة في المستقبل. ومن المعروف أن البنوك والشركات الكبيرة تعترض بشدة علي فرض رسم عليها وتعتبره مخالفا للدستور, ولكن مشروع مجلس الشيوخ لا يلزم بدفع رسوم, وهذا يتفق مع رغبة الرئيس أوباما وول ستريت. (7) ومن أجل التوفيق بين الجهود للتعرف علي المخاطر التي يتعرض لها النظام المالي, فان مشروع مجلس الشيوخ يقضي بإنشاء مجلس لمراقبة الثبات المالي للسوق يشكل برئاسة وزير الخزانة, وعضوية قيادات جهات الرقابة الفيدرالية وهم رئيس مجلس ادارة البنك المركزي, ومراقب النقد, ورئيس هيئة تأمين الودائع الفيدرالية, ورئيس وكالة الرقابة علي الأوراق المالية, وأيضا من مدير المكتب الجديد الخاص بحماية المستهلكين, ومدير وكالة التمويل الاسكاني الفيدرالية, و عضو مستقل يعينه رئيس الجمهورية. وكما هي العادة فان مشروعي مجلس النواب ومجلس الشيوخ سيتم التوفيق بينهما في مؤتمر مشترك للموافقة علي الصياغة النهائية للمشروع الموحد وعرضه علي الرئيس أوباما لاصداره. وسيثبت التطبيق العملي مدي كفاية نصوص القانون الجديد لانعاش الاقتصاد وحمايته من هزات في المستقبل. ومهما تكن فيه من ثغرات, فانه سيكون خيرا من لا شيء, فما لايرجي كله لا يترك جله, ويمكن سد الثغرات في مستقبل الأيام. والأهم من هذا أن تقوم جهات الرقابة بواجبها هذه المرة, وقد ساعد تقاعسها في سنة2007 وما قبلها عن توقع الأزمة أو تطبيق اللوائح أو اصدار الجديد منها في حدوث الأزمة وتأخر معالجتها. ولكن النتيجة التي يجب ان يبصرها الجمهوريون ان النظام الرأسمالي المطلق قد انقضي عهده, وان وضع حدود لمعاملات السوق لا يحيل النظام إلي اشتراكية مثلما ينادوون. وهذا هو تطبيق لفلسفة العلامة ابن خلدون, أول من نادي بالسوق الحرة ومن بعده آدم سميث.