هذه كارثة بكل المعايير والمقاييس أكثر من ناقوس خطر، وأعمق من أن يقال جرس إنذار. وسأنقل حرفيا ما ذكرته أخبار اليوم صباح أمس: "أوضح أشرف راشد سفير مصر بإيطاليا إن الحادث تمثل في غرق مركبين الأول يحمل 24 فردا بلغ عدد الناجين منهم ،7 في حين أن المركب الثاني كان يحمل 160 فردا نجا منهم 24". وفي نفس العدد من ذات الجريدة الصفحة الخامسة كان العنوان: "مخاوف من ارتفاع عدد الضحايا إلي 140 غريقا". هذه ليست الحادثة الأولي، أو الثانية بل هي تكاد تكون حدثا شبه أسبوعي، فتكرر نفس التفاصيل نفس الكلام ويظل الضحايا أرقاما ترتفع كل مرة. من الذي جعل مجموعة من الشباب تقدم علي الانتحار غرقا، أو التعرض للحبس في أفضل الأحوال تحت مسمي البحث عن مستقبل. الناجون - حتي الآن - أكبرهم سنا 36 عاما، وأصغرهم 18 عاما، لماذا يأس هؤلاء من المستقبل في مصر، وقرروا أن يرموا بأنفسهم في موج البحر، وأن يبتلعوا مياهه، قبل أن تبتلعهم تلك المياه. أليس هؤلاء هم مستقبل مصر، أليس لهؤلاءتعد كل خطط التنمية، وكل إجراءات المستقبل، هل الهجرة إلي إيطاليا أو أيا كان اسمها ، وإلي أعماق البحر فعلا، أفضل من البقاء في مصر. سؤال صعب ومباشر علينا أن نضعه أمام أعيننا، علنا نستفيق قليلا من غفوتنا - حكومة ومعارضة - ونعلم أن أرواح 140 غريفا في هذه الحادثة فقط ستظل معلقة في رقبة كل هؤلاء الذين افقدوا الشباب الأمل في الماضي، في الحاضر والمستقبل. كل هؤلاء الذين دفعوهم دفعا للانتحار غرقا علي سواحل إيطاليا. حلم كل منهم بحياة أفضل، وفر قرشين إما أن يتزوج بيهم أو يصرف علي أهله بعضهم حلم ببنطلون جينز وسلسلة فضة يتعايق بها أمام البنات، والبعض كان أمله توفير الدواء لأم أو أب أو أخ مريض. ما هذا العبث الذي يجعلنا نرمي بالاتهام علي عصابات تهريب البشر، التي أجبرت الضحايا علي القفز في الماء بلا رحمة ويستريح كل منهم الآن فهناك من سنعلق في رقبته الجرس. لا يا سادة كلكم مسئولون، والذنب سوف يطاردكم لأنكم سمحتم لهؤلاء الشباب أن ينتحروا بغلق كل الأبواب أمامهم حتي وصلوا إلي الهجرة غير الشرعية، ثم عصابات تهريب البشر ثم القفز في مياه البحر والاستقرار في قاعه حتي ترمي بهم الأمواج إلي شط يعلمه الله. أين الأحزاب وعلي رأسها الحزب الوطني الذي يعقد أهم اجتماعاته الآن، هل هناك أهم من المستقبل، هل هناك أهم من هؤلاء الشباب في تلك المرحلة السنية، هل هكذا يتصورون أن يكون هناك قطاع هذا هو حاله. إنني أطالب بضرورة بحث هذا الموضوع، واعطائه أولوية قصوي، هناك بالطبع قضايا مهمة، ولكن كل القضايا وكل الموضوعات هدفها المستقبل وهؤلاء هم شريحة فقدت الأمل في المستقبل، وستظل صورهم شاخصة أمام أعيننا تؤرق ضمائرنا إذا كان قد تبقي منها شيء، حتي نعمل بسرعة أكبر، وبفاعلية أكبر وبجدية أكبر، وإلا سيكون الماضي وراءنا، والبحر أمامنا. "ألا قد بلغت اللهم فاشهد".