لم يبق من التعليم الإلزامي الذي كان من مكتسبات ثورة يوليو إلا الاسم والشكل، والنتيجة التقييمية لمرحلة التعليم الابتدائي تؤكد أن نسبة كبيرة من التلاميذ الذين ينتقلون من سنة إلي أخري بحكم القانون بعد استنفاذ مرات الرسوب، لايعرفون القراءة والكتابة، والمستوي التحصيلي لديهم ضعيف جدا. وقد جمعتني بعدد من المدرسين التابعين لمديرية بنها التعليمية جلسة مصارحة حكوا فيها قصصا عجيبة. فالغش أصبح ظاهرة جماعية والطامة الكبري أنه كثير ما يتم بتوجيه من مديري المدارس، واستمعت لأحد المدرسين وهو يروي كيف أن مدير المدرسة (....) يأمرهم بأن يسهلوا غش التلاميذ وأن يساعدوهم بحجة أن التلميذ ينتقل إلي السنة الموالية بحكم القانون، إذا رسب مرتين متتاليتين، فالأدعي أن تكون النتيجة منذ البداية جيدة، ويقول المدير بالحرف: "موش عايزين وجع دماغ، وشوشرة من الأهالي، وغششوهم بدل ما نعمل في عز الحر..!". والمفاجأة الأبشع أن المدرس الذي يرفض الغش، وتسهيله يضطهده المدير، "ويحطه في دماغه"، يعني ممكن يفرض عليه جدولا للعمل في الصيف من الساعة الثامنة صباحا وحتي الواحدة يوميا، لأنه رفض الانصياع لتوجيهات السيد المدير، فلابد أن ينزل به العقاب التأديبي ويعود عن سلوكه المعوج ويغشش الأولاد! ولأن الزمن توقف لدي عند مرحلة دراستي، كان المدرس قدوة وعلما، في الأخلاق والسلوك إلي الجانب النواحي التعليمية، فإني فُجعت من حكايات الغش بتوجيه من المدير، وتنفيذ من المدرس. وتأملت في المستوي الفكري والثقافي الذي يقف وراء هذه النماذج الجديدة من التربويين، والذي يمكن أن يدفع الواحد منهم إلي أن يدوس علي ضميره، ويروج للفساد. وقد فسر لي المدرسون الذين كنت أستمع إلي أوجاعهم، وأوجاع مصر كلها، وجود عدد كبير من المديرين ووكلاء المدارس والنظار، وقيادات الإدارات التعليمية ينتمون إلي جيل من المعلمين، من حاملي دبلومات الزراعة، والذين تلقوا تأهيلا تربويا لمدة عام واصبحوا مدرسين، ثم تدرجوا في السلم الوظيفي ليعتلوا أعلي مراتبه، ثم لا ننسي أن الدفعة الأولي من ذوي المؤهلات العالية الذين دخلوا مجال التدريس في التعليم الابتدائي كانت عام 1993 فقط.. ربما هذا يعني أن الوعي المطلوب والتكوين الضروري لم يتوافر في جيل قبله، وهو جيل الوسط، الذي اعتبره شخصيا من نتائج مرحلة الانفتاح في مصر، وهي مرحلة عجيبة في حياة مصر، تداخلت فيها أمور كثيرة، وغزت قيما مادية، واستهلاكية فئات المجتمع، وأصبحت متقدمة علي العلم والتربية. وحدث في التسعينات نوع من التصادم بين جيل أكبر يشعر أفراده بأنهم يعرفون كل شيء، بل ويتضايقون من المدرسين أصحاب المؤهلات العليا، وهناك نوعيات يتحول الضيق داخلها إلي عقدة نفسية واجتماعية، وأصبح الجو السائد في المدارس متوترا بين الأسرة التعليمية. ضف علي هذا المناخ أن المدرس يعاني في حياته اليومية مثلما يعاني بقية أفراد الشعب المصري، من سوء الأحوال المعيشية، وليس أمامه من حل إلا أن يعطي دروسا خصوصية، ولايمكن أن نظلم جميع المدرسين ونتهمهم بأنهم طماعون واحترفوا صيد التلاميذ، وكرسوا أوقاتهم للدروس.. فعلينا الاعتراف بأن عددا كبيرا لايعطون دروسا، ولكن لنعترف بأن السبب الرئيسي ليس امتناعا، أو تمسكا بمبدأ المقاطعة، وإنما لأن بعض المواد ينصرف عنها الطلبه. وتعترف مدرسة "في إحدي مدارس بنها الحكومية" في حزن شديد أنها كانت مشتعلة حماسا في بداية حياتها العملية، لكنها استيقظت علي الواقع المر عندما انتقلت إلي صفوف المدرسين، حيث طلب منها المدير "وهو مؤهل متوسط، حاصل علي دبلوم زراعة مع تأهيل تربوي" أن "تغشش الأولاد".. وتذكر أنها بعد مقاومة شديدة، تعرضت للتنكيل والعقاب.. وعندها استسلمت، والغريب المضحك أنها كانت تقوم "بتغشيش الأولاد في الملاحق وتكتب لهم الحل بيدها، ولكنهم كانوا مع ذلك ينقلون الاجابات بطريقة خاطئة؟! هذه نماذج مما يحدث في بعض مدارس ريف مصر، والصورة قد تختلف بعض الشيء في المدينة، وفي القاهرة تحديدا، ولكن الظاهرة موجودة ومنتشرة، والحصيلة أن التعليم الابتدائي يخرج جيلا من الأميين، وأن الجودة صفر! وأعجب لمصر التي يضع قياداتها السياسية، وتحديدا الحزب الوطني الحاكم، مشروعات اصلاحية وتنموية للنهوض الاقتصادي ولكن بدون الاقتراب من التعليم الابتدائي الذي يعد مفتاح أي نهضة في جميع المجالات. إن التعليم في مراحله الأولي تخصص له الدول المتقدمة كوادر عليا غالبيتهم من الحاصلين علي شهادات الدكتوراة في رياض الأطفال والتربية، ومنتهي العناية والجودة تتركز في البدايات.. أما نحن فالوضع عكسي تماما.. وأذكر أنه خلال سنة معينة في فترة التسعينات تم قبول "الساقطين" في الثانوية العامة والحقوهم بمعهد تأهيل المعلمين، وتخرجوا بعد عام مدرسين، ونظرا لفداحة نتائج هذه التجربة، ألغوها وأغلقوا المعهد، فمتي نستيقظ.. ومتي تتنبه القيادات وواضعو السياسات إلي قضية التعليم.. خاصة أننا لا ينقصنا خبراء وعلماء، ورجال فكر، وضعوا مشروعات غاية في الأهمية كفيلة "بنفض" هذا القطاع الحيوي من غيبوبته. مفاجأة محتملة حول السلام مع إسرائيل جولات مكوكية خلال الأسبوع الماضي قام بها دبلوماسيون عرب، زيارات بعيدا عن كاميرات الاعلام ومحادثات ومشاورات علي أعلي مستوي.. والقضية هي التوصل إلي حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ملامح سريعة لهذه التحركات: زيارة وزير خارجية المملكة السعودية الأمير سعود الفيصل ولقاؤه بالرئيس حسني مبارك. وزير الخارجية المصري أبوالغيط والأردني الخطيب زارا إسرائيل الأربعاء الماضي.. تحركات فرنسية في المنطقة وزيارة لوزير الخارجية الفرنسي لمصر برنار كوشنير، ومحادثات مع الأمين العام للجامعة العربية.. تصريحات "وردية" لرئيس وزراء إسرائيل ايهود أولمرت حول قبوله باعلان دولة فلسطينية.. والرابط المشترك بين جميع التحركات الولاياتالمتحدة التي تريد أن تدفع بحل قبل انتهاء مدة الرئيس بوش. كل هذا سوف نشهد نتائجه.. اليوم الاثنين خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب لتقييم مبادرة السلام والتحركات الأخيرة، فما يخبئ هذا الاجتماع للفلسطينيين والعالم العربي؟!