قضايا لبنان المحلية والإقليمية والخاصة والعامة باتت مدولة ولم يعد بإمكان جامعة الدول العربية التحرك خارج السياق المذكور وإذا حاولت كما حصل في مشروع المبادرة الأخيرة سيكون مصيرها الفشل كما أعلن موسي في لغة دبلوماسية مهذبة فالتدخل العربي كما يبدو غير مسموح وإذا حصل يحبط أو يضرب بعرض الحائط كما كان أمر "تفاهم مكة" بين حماس وفتح. لبنان إذا بات قاب قوسين من تكرار "تجربة غزة" وإعلان الحكومة الثانية بات هو الاحتمال المرجح في حال تواصلت الأطراف والأطياف المحلية علي جرجرة البلد الصغير من فوضي سياسية إلي فوضي أمنية ومن معارك ساخنة علي ضفاف "نهر البارد" إلي منصات صواريخ تطلق من الجنوب وتنسب العملية إلي جهات مجهولة وغير معروفة الاسم والعنوان. كل الدلائل تشير إلي احتمال انشطار البلد إلي حكومتين علي غرار ما حصل في غزة ولكن الوقائع التي جرت في القطاع ليس بالضرورة أن تكون متشابهة مع هذا الاحتمال المتوقع حصوله في لبنان. بلاد الأرز معقدة في طبيعتها الجغرافية وتضاريسها الاجتماعية وهي بالتالي مرشحة إلي اهتزازات أمنية أصعب وأخطر بكثير من تلك المشاهد المخزية والمحزنة والمؤسفة والبائسة التي نقلتها مباشرة فضائيات ووكالات أنباء ومحطات تليفزيونية وفضائيات. المشاهد "الغزاوية" إذا حدثت وشهدت النور في لبنان فإنها ستكون مضاعفة وأسوأ بكثير من تلك التي جرت في القطاع فالبلد الصغير متداخل ومتشابك في تضاريسه الطبيعية والاجتماعية وليس منبسطا جغرافيا كما هو حال القطاع فغزة فقيرة ومعزولة أصلا وتعيش فيها مجمعات فلسطينية نزحت تباعا من أراضي 1948 الأمر الذي جعل من القطاع الأكثر كثافة سكانية وظروف القطاع المذهبية والطائفية متجانسة ومغايرة لتلك في لبنان كذلك تفصله مساحة جغرافية عن حدود الضفة الغربية حتي التركيبة الهرمية للسلطة السياسية والأجهزة الأمنية واضحة في انقساماتها السياسية الثنائية مضافاً إليها أن دول الجوار التي تحيط بغزة تختلف عن تلك التي تحيط بلبنان فالقطاع شبه مغلق ومراقب بينما البلد الصغير مفتوح. كل هذه العوامل الاضافية تجعل من احتمال انفجار لبنان مسألة خطيرة ومخيفة في اعتبار أن الصراع القائم علي أرضه ليس محليا وإنما يعتمد علي قوي لبنانية متنوعة الطوائف والمذاهب وممتدة إقليميا وجغرافيا وجواريا. اللعبة إذاً خطرة ولا يستبعد في حال انجرف لبنان إليها أن تشهد المنطقة سلسلة تقلبات لا يمكن رصد تداعياتها من الآن. فالبلد ضعيف كدولة ولكنه ليس كذلك كطوائف.فالطوائف في لبنان أقوي من الدولة وهي قادرة علي اشعال أو اشغال الكثير من القوي بتفرعاتها وامتداداتها في حال وجدت نفسها محاصرة في دائرة من النيران. احتمالات انفجار لبنان ليست مستبعدة وفي حال حصل مثل هذا الأمر فإن مشاهد الانفجار ستكون أقرب إلي ساحة العراق منها إلي ساحة غزة فالتعقيدات اللبنانية لن تتوقف عند حدود حكومتين كما حصل في فلسطين بل سيرشح منها مجموعة قنابل عنقودية ستضاعف من عدد الحكومات نظرا إلي تعدد زعماء الطوائف وقادة الميليشيات وأمراء الحرب والكلام التحذيري الذي صاغه عمرو موسي بلغة دبلوماسية راقية يكشف فعلا عن قلق عربي من احتمال تهديد هوية لبنان العربية وتمزيقها إلي "كانتونات" لا يعرف من يمولها ويديرها ويقرر سياستها. مشروع التفويض إذا لم يفشل وسياسة "الفوضي الهدامة" تواصل أعمالها مستخدمة في برنامجها أطرافا أيديولوجية ليست بالضرورة متوافقةمعها أو متجانسة مع طروحاتها فالحسابات الأمريكية براجماتية وليس المهم من يصنعها بل المهم عندها من ينفذها فهل بالامكان منع حصول هذا الاحتمال في لبنان قبل أن يسبق السيف العذل؟