عند معظم شبابنا الآن فإن الأمنية الأولي هي أن تتحقق أحلامهم بأن يجدوا فرصة للسفر والعمل في الخارج، وليس مهما أن كانوا سيعملون في وظائف تتفق مع مؤهلاتهم العلمية أو بأجور تتناسب مع الخبرة وتتوازي مع الغربة والمعاناة. وليس بجديد علي أحد أن نقول إن تدني الأجور وقلة فرص العمل في بلادنا هي التي تدفع علي هذه الهجرة الاجبارية والتي تستدعي تقديم الكثير من التنازلات والتضحيات. واكتسبت العمالة المصرية في الخارج وخاصة في دول الخليج العربية علي مدار العقود الماضية سمعة طيبة لأنها عمالة فنية ومهنية لا تثير المشكلات ولا تبحث عن المتاعب وفي أغلب الأحوال فإن أمامها هدف واحد وهو تحسين أحوالها المادية والاجتماعية ثم العودة إلي مصر في مرحلة لاحقة. وساعد علي نجاح هذه العمالة في اكتساب السمعة الجيدة أنها كانت عمالة مميزة تبعد كثيرا عن الوظائف الدنيا وتقدم خبراتها وثقافتها إلي الحد الذي جعل الكثير من الاشقاء العرب يطلقون علي كل مصري يعمل في بلادهم صفة "الاستاذ" لاقتران العمالة المصرية بشكل خاص بالناحية التعليمية ولأن معظم البعثات المصرية الأولي لهذه الدول كانت من المدرسين كما أن المصري في الحرف التي كان يعمل بها كان بمثابة الاستاذ فيها. ولم تواجه سفاراتنا في الدول العربية مشكلات تذكر من المصريين في هذه الدول لأن المصريين بطبيعتهم بالغو الحرص علي تجنب اللجوء إلي القنوات الرسمية والقانونية لحل الخلافات والمشكلات المتعلقة بهم ويفضلون غالبا الحلول الودية والتوفيقية. وهذا الوضع بدأ في التغير في السنوات الأخيرة ولم يعد للعمالة المصرية نفس مكانتها المميزة بفعل تنافس حاد وشرس من مواطني دول أخري جاءوا يبحثون عن فرص عمل في الدول العربية ويحملون معهم أفكارا ومميزات أخري لا تتوافر كثيرا للعمالة المصرية. فقد أتي مواطنو الهند ودول جنوب شرق آسيا إلي سوق العمل التجاري بأجور أقل وبإجادة تامة للغة الانجليزية التي هي لغة المصالح والتعاملات الاقتصادية والتجارية في العالم الجديد وأزاحوا العمالة المصرية التي لم تكن مدربة أو مستعدة بشكل جيد للمتغيرات العالمية. وأتي مواطنو بعض الدول العربية بدعم وهالة دعائية وقدرة علي عرض أنفسهم وقدراتهم وتمكن من تسخير جميع "المؤهلات" الأخري ونافسوا المصريين بقوة في الكثير من المجالات وساعدهم في ذلك تحررهم الديني والأخلاقي الذي شجعهم علي أن يقوموا بأي شيء في سبيل تحقيق أهدافهم المادية. ووقف المصريون العاملون في الخارج وحدهم في الميدان يدفعون ثمن سياسات بلادهم الخارجية من جانبه ويدفعون الثمن للنظام التعليمي الذي لا علاقة له باحتياجات أسواق العمل الخارجية ويدفعون أيضا ثمن تقاعس الأجهزة الرسمية عن مساعدتهم وحمايتهم في الخارج ويتحملون كذلك التعهدات الادارية والروتينية في الداخل والتي تهددهم دائما بالعودة في أي لحظة. ولا يوجد جهة واضحة يستطيع المصري الذي يعمل في الخارج أن يلجأ إليها عند وقوع مشكلة فالسفارات لا تقدم العون المطلوب وسفاراتنا تتعامل معهم باستعلاء وتفرض عليهم رسوما مبالغا فيها إذا اضطروا للتعامل معها من أجل التصديق علي أوراق أو انهاء بعض الإجراءات. ويكفي هنا أن نشير إلي أن رسوم التصديق علي ورقة واحدة في أي سفارة مصرية تصل إلي أكثر من عشرين دولارا مع أن التصديق علي نفس الورقة في الدول التي يعمل بها المصريون لا يزيد علي دولارين فقط..! ولا تقف معاناة المصريين في الخارج فقط إذ إن بعض جهات العمل التي يعملون بها تفرض عليهم رسوما وضرائب في شكل تبرعات اجبارية وإلا رفضت هذه الجهات التجديد لهم بالعمل في الخارج واستدعتهم علي الفور للعودة وليس مهما ماذا سيعملون إذا عادوا...!! واحدي المؤسسات الكبري في مصر والتي من المفترض أنها تقوم بدور تنويري في محاربة هذه القيود والمعوقات تفرض تبرعات ملزمة تزيد علي الألف دولار سنويا علي كل من يريد تجديد اجازته السنوية وإلا أجبرته علي العودة أو قامت بفصل في إجراء مخالف تماما للقانون وفي تحد للسلطة التشريعية وهي الجهة الوحيدة المخولة بفرض ضرائب أو رسوم من أي نوع..! وفيما مضي كانت هناك وزارة معنية بشئون الهجرة والمصريين في الخارج ولكنها كانت وزارة شرفية بلا سلطات حقيقية ولا دور ومجرد واجهة تشير إلي أن الدولة تهتم بمواطنيها في الخارج وتحاول مساعدتهم والاستفادة منهم أيضا..! ولن نسهب أو نتحدث كثيرا عن المعاناة النفسية والاجتماعية للمصريين في الخارج وعن تمزق الأسر وضياع الابناء ما بين الاقامة هنا وهناك ولا عن متاعب ما بعد العودة وما يواجهون من مصاعب في التأقلم مع المجتمع ومع الاصدقاء لأننا نعتقد أيضا أن الكثير من هذه المشكلات قد تكون أقل كثيرا من معاناة أهلنافي الداخل الذين يخوضون حربا حياتية لا تتيح لهم أن يعرفوا أن هناك حياة أخري علي كوكب الأرض غير التي يعرفونها..! ولكننا نحذر من أن الاتفاقيات الأخيرة بتصدير بعض أنواع العمالة إلي الدول العربية وخاصة العمالة النسائية في شكل مديرات منازل أو مشرفات أو مربيات سيأتي معها الدمار علي كل المصريين العاملين بهذه الدول لأنها ستفتح أبواب جهنم لمعارك من نوع آخر تتناول الشرف والعرض والكرامة وستجعل من المصريين في هذه الدول هدفا الدول للسخرية والانتقادات بكل ما يعنيه ذلك من رد فعل غاضب قد يحمل الكثير من العواقب الوخيمة علي الجميع. إننا نأمل أن يتم اعادة النظر في أن تكون هناك جهة ووزارة سيادية تختص بالمصريين في الخارج وتشرف عليهم وتضع حدا لمعاناتهم وتزيد من فائدتهم لبلادهم فهم ثروة لا يستهان بها إن أحسنا توظيفها جيدا. Saedelbably @ hatmail.com