تخرج عمرو من الجامعة الأمريكية بعد أن درس الإعلام فيها، واعتقد مثله مثل آلاف الشباب أن كل الأبواب ستكون مفتوحة أمامه، وأن الفضائيات التليفزيونية سوف تتنافس للحصول علي خدماته، وأن الصحف لن تجد أفضل منه..! وطرق عمرو كل الأبواب عن حقه في فرصة عمل تتناسب مع مؤهلاته وإعداده ومستواه الثقافي والاجتماعي، ووجه عمرو أنهم يتعاملون معه ببرود وتجاهل، وأنه ما يعرضونه عليه هو أقل القليل، فالصحف القومية قبلته بعد وساطات عديدة أن يقضي فترة للتدريب فيها قد تمتد لسنوات وسنوات بمكافأة هزيلة، والفضائيات تبحث عن الذين يمتلكون الخبرة والعلاقات والاتصالات..، ولا يوجد بالطبع وظائف حكومية تصلح له أو لأمثاله..! ولم يجد عمرو بابا للعمل إلا في احدي شركات العقارات " سمسارا " بعد أن انهارت أحلامه وأدرك أن الشهادة التي حصل عليها لا قيمة لها، وأن ما أنفقه أهله عليه طوال سنوات التعليم الخاص كان يكفي لو أنهم ادخروه له لكي يعيش حياة كريمة بلا عمل..! وما حدث مع محمود يحدث مع كل الخريجين، يتساوى في هذا من يتخرج من الجامعات الخاصة مع من يتخرج من الجامعات الحكومية، فالشهادة الحقيقية الآن ليست في المؤهل الدراسي ولا في نوع التعليم، ولكن الشهادة الحقيقة تتمثل في " الواسطة " الذي يستطيع أن يفتح كل الأبواب وأن يجد الفرصة المناسبة للشخص غير المناسب وفي أسرع وقت ممكن..! ولأن الفرص للعمل أصبحت نادرة والمرتبات ضئيلة لا تتناسب مع الواقع والمتطلبات الحياتية فإننا نتجه نحو منحدر بالغ الخطورة في علاقة شبابنا بالوطن وبالانتماء إليه وبالهوية الوطنية ككل. فشباب الجامعات الخاصة الذين توافرت لهم إمكانيات مادية ومستويات مختلفة أصبحوا أكثر التصاقا بالثقافة الغربية، وصارت أحلامهم ورغباتهم وتطلعاتهم تدور خارج الحدود، بالرغبة في تكمله الدراسة بالخارج للبحث عن فرصة عمل وحياة أخري تتناسب مع ما أنفق عليهم من مبالغ طائلة أثناء سنوات التعليم. وسوف تتحول هذه الجامعات الأجنبية الخاصة الموجودة في بلادنا الآن بكثرة إلي معامل تفريغ لطاقات شباببيه لخدمة الدول الأجنبية التي تربط بها هذه الجامعات، وتفقد مصر بذلك ثروة أخري من أبنائها الذين سيذهبون بلا عودة. أما الذين يتخرجون من الجامعات الحكومية والذين شقوا طريقهم في الحياة بقوة الإرادة وبالدفع الذاتي والذين يعتقدون في أن التعليم سيكون طريقهم لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمادية فإنهم يواجهون واقعا أكثر مرارة يتمثل في أن عليهم أن يقبلوا بالفرص المتاحة التي يمكن الحصول عليها في مجالات تبعد كثيرا عن دراستهم وتخصصاتهم، وسيكون عليهم أيضا أن يظلوا متمسكين بالسراب في إمكانية السفر للعمل في أي دولة عربية أو أجنبية علي أمل أن هذا هو طريق النجاة والفرصة لتحسين الأوضاع. ولم يكن غريبا في ظل تلاشي هذا السراب أن يكثر سماسرة الموت الذين يقومون بإغراء شبابنا وخاصة في محافظات الوجه البحري علي أن يهاجروا لدول أوربية بطرق غير شرعية وأن يواجهوا في سبيل ذلك احتمالات الموت غرقا أو البقاء في سجون هذه الدول لأنهم علي قناعة بأن الأمل موجود في المغامرة، أما في البقاء فلا أمل ولا فرصة..! والمثير للدهشة والسخرية في آن واحد أن تطالعنا الصحف بعد ذلك بتصريحات منسوبة لوزير المالية يتحدث فيها عن توافر فرص عمل بالملايين خلال الفترة القادمة دون أن يحدد لنا أين..وكيف سيتم توفير هذه الفرص وفي أي المجالات، وفي إطار أي برنامج أو مشروع..! أن أكثر من 2.5 مليون شاب مصري يقفون حاليا في طابور الانتظار الطويل وقد بدأ اليأس يتسرب إلي قلوبهم..ومع اليأس تأتي كل الاحتمالات والتوقعات..وكلها مخيفة ومكلفة ومدمرة. وكلها تدعو وتلح وتطالب بأن يكون مشروع مصر القومي هو محاربة البطالة..وإيجاد فرص عم جديدة..وهو مشروع يعني ببساطة الإصلاح في كل مكان وفي كل المجالات وإلا فالقادم أخطر..! [email protected]