عندما كانت الانتقادات توجه إلي الشركات الأمريكية بسبب نقلها لفرص العمل إلي الصين بغرض الاستفادة من رخص الأيدي العاملة وساعات العمل الطويلة كانت هذه الشركات ترد قائلة إنها علي العكس قد حسنت مستويات معيشة عمال الصين وأسهمت في دفع قضية الديمقراطية علي مستوي المجتمع الصيني. ولكن نفس هذه الشركات كما تقول مجلة "نيوزويك" تضغط للحيلولة دون صدور قانون قوي للعمل في الصين وهو ما جعل النشطاء في مجال الدفاع عن حقوق العمال يتهمونها بالنفاق. وينص مشروع قانون العمل الجديد في الصين علي ضرورة أن تقوم الشركات بتحرير عقود مع كل العمال ودفع تعويض لمن يتم الاستغناء عنه وتشديد ضمانات الحماية لقدامي العاملين والنساء غير المتزوجات اللاتي لا عائل لهن. كما يعطي مشروع القانون أيضا لاتحادات العمال التابعة للحزب الشيوعي الحاكم سلطة التفاوض لإبرام عقود عمل جماعية وتحديد مواصفات أماكن العمل.. ورغم أن هدف مشروع القانون الجديد منع تفجر الخلافات حول ظروف وشروط العمل والأجور المتدنية وساعات العمل الطويلة فقد اضطرت السلطات الصينية بالفعل إلي تعديل مشروع القانون من إجل إرضاء الشركات الأجنبية، ومن المحتمل أن يتحول هذا المشروع إلي قانون ساري المفعول مع بدايات الصيف القادم. ويذكر المنتقدون أن الشركات الأمريكية العاملة في الصين قد برهنت بهذا المسلك علي أنها تعطي الأولوية للربح وتحقيق مصالحها حتي علي حساب عمال الصين في حين أنها تلتزم الصمت أمام القضايا الشائكة من رقابة السلطات الصينية علي الانترنت وحتي قمع هذه السلطات لرجال القانون. وقد اشتكت شركات مثل مايكروسوفت وجنرال موتورز وجماعات ضغط مثل الغرفة التجارية الأمريكية ومجلس الشركات الأمريكي الصيني من أن مشروع القانون سيجعل من الصعب فصل العمال حتي خلال فترة الاختبار وسيعطي للنقابات الرسمية سلطات أوسع.. وعبرت هذه الشركات عن مخاوفها من أن القانون سيقف بقوة ضد الشركات الأجنبية وأن هذا يعكس اتجاها حكوميا لتقييد تلك الشركات. وقد طالبت جنرال اليكتريك السلطات الصينية بخمس تعديلات محددة منها تشديد العقوبات علي سرقة الملكية الفكرية وجعل دور النقابات استشاريا في تحديد قواعد العمل.. أما جماعات الضغط فقد طالبت السلطات الصينية بالتشدد في تنفيذ قوانين العمل القائمة وليس وضع قانون عمل جديد.. ويقول جيمس زيمرمان رئيس الغرفة التجارية الأمريكية إنه ليس ضد حقوق العمال الصينيين وإنما يطالب بالتنفيذ الموضوعي للقانون علي الجميع. وبالمقابل فإن النشطاء المدافعين عن حقوق العمال يرون أن القانون أضعف من أن يحمي العمال لأنه يعتمد علي النقابات التابعة للحزب وهي نقابات اعتادت مساندة الإدارة ضد العمال حتي لو كانت هناك قلاقل أو اضطرابات عمالية. وتقول الأرقام إن عدد القضايا العمالية زاد في عام 2005 بنسبة 20% عن العام الذي سبقه. ويؤكد ليو تشينج أستاذ القانون بجامعة شنغهاي وأحد الذين شاركوا في وضع قانون العمل الجديد أن الشركات الأجنبية غاضبة جدا لأن مشروع القانون يمنعها من سوء استغلال عمال الصين.. وأنه يمثل إشارة إلي أن شهر العسل بين الشركات الأجنبية وبين عمال الصين قد انتهي وأن هؤلاء العمال لم يعودوا مستعدين للخضوع لاستغلال تلك الشركات.. والأمر المدهش أن السلطات الصينية تبدو مستعدة للتضحية بحقوق العمال من أجل إرضاء أو عدم إغضاب الشركات الأجنبية. وتعليقا علي ذلك يقول نيقولا بكويلين ممثل هيومان رايتس ووتش في هونج كونج إن عملية تعديل مشروع قانون العمل الجديد أثبتت أن الشركات صارت لها نفوذ في الدوائر السياسية الصينية. أما ستيف ماللوري القنصل العام للاتحاد الأوروبي في اَسيا فيؤكد أن هذه المعركة كانت شديدة الحساسية والالتهاب وأن دوائر صنع القرار في شأن هذا القانون لم تكن في بكين فحسب وإنما انتقلت أحيانا إلي واشنطن. وهناك شركات ذكية قررت أن تنأي بنفسها عن هذه المعركة مثل شركة نايك للأدوات والملابس الرياضية، فقد أعلنت هذه الشركة أنها تعمل بقوة من أجل ضمان مراعاة الحد الأدني من ظروف العمل المناسبة حتي من جانب الموردين الصينيين الذين تتعامل معهم.. وقالت إيرين دوبسون المتحدثة باسم الشركة إن موقفهم من هذه المعركة كان هو الحياد التام. بقي أن نقول إن مشروع القانون الجديد مليء بالثغرات وأنه سيزيد مشكلة استغلال العمال تعقيدا وأن الشركات الأجنبية قد تلجأ للتحايل عليه إذا وجدت أنها عاجزة عن تحقيق ما تريده من أرباح في ظل الانصياع لأحكامه.