شهد العالم هذا العام قدرًا أكبر مما يجب من الصدمات الاقتصادية، من أزمة الديون اليونانية إلى زيادة احتمال حدوث ركود مزدوج بسبب تقييد السياسة المالية فى الاقتصادات المتقدمة. ولكن فى هذه الظروف القاتمة، يوجد بصيص أمل مفاجئ؛ فقد أعلنت الصين مؤخرًا أنها ستبدأ تدريجيًّا رفع سعر عملتها، الرنمنبى. وبعيد قليل من تعهدها، بدأت تسمح بارتفاع الرنمنبى مقابل الدولار الأمريكى. لقى التحرك الصينى بشأن العملة ترحيبًا واسع النطاق فى أنحاء العالم، وبوجه خاص فى الولاياتالمتحدة. فبناء على الأسس الاقتصادية، كان يجب أن تكون العملة الصينية أقوى كثيرا مما هى عليه. ولكن لأن بكين تريد الحفاظ على القدرة التنافسية للصادرات، فهى تتدخل عمدا فى سوق الصرف الأجنبى، بشراء الدولار واليورو، حتى لا ترتفع قيمة الرنمنبى. وتمكِّن هذه السياسة الصين من زيادة صادراتها، ولكنها تؤذى الشركاء التجاريين (الذى تتمتع صادراتهم بقدرة تنافسية تقل عما تتمتع به صادرات الصين). وفى عام 2005، بدأت الصين زيادة قيمة عملتها تحت ضغط دولى، ولكنها أنهت إعادة تقييم العملة فى 2008 عندما أدت الأزمة المالية العالمية إلى إنهيار حاد فى الصادرات الصينية. غير أنه مع ضعف حالة الاقتصاد العالمى بينما تسجل الصين معدلات نمو تزيد على تسعة فى المائة، تعرضت الصين مرة أخرى إلى انتقادات دولية متزايدة بسبب الحفاظ على عملتها مقومة بأقل من قيمتها. وحتى وقت قريب، تقاوم الصين الدعوات لإعادة تقويم الرنمنبى، ولكن الحكومة الصينية غيرت سياسة العملة فجأة عشية قمة مجموعة العشرين فى تورينتو أواخر يونيو، وتعهدت بجعل عملتها «أكثر مرونة» تدريجيًّا. أثنى الغرب على تحرك الصين لعدة أسباب. أولا: أنه رفع بالتأكيد معنويات قادة مجموعة العشرين. ولو لم تقدم الصين على هذه الخطوة، لكانت سياسة عملتها النقطة التى يتمركز حولها الجدل أثناء القمة، وربما أفسدت الاجتماع وتسببت فى حرب قبيحة بين الصين والغرب. ثانيا: يتوقع خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال أن يساعد تحريك العملة الصينية فى إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمى. ومع ضعف الطلب على الاقتصادات النامية، وقوة النمو فى الصين، سوف يزيد ارتفاع قيمة العملة الصينية من القدرة التنافسية للورادات إلى الصين، وهو ما سيزيد الطلب على السلع المصنوعة فى الغرب. وفى الوقت نفسه، سوف تقل القدرة التنافسية للصادرات الصينية إلى بقية العالم، ومن ثم ربما يشترى المستهلكون الغربيون السلع المصنوعة إما فى بلادهم أو فى بلد آخر، وهو ما سيفيد الاقتصادات الغربية أو منافسى الصين فى البلدان النامية (كالهند وفيتنام). وكان رد الفعل على تغيير سياسة العملة الصينية إيجابيًّا لدرجة أن أسواق الأسهم ارتفعت مباشرة فى أنحاء العالم(على الرغم من أنها سرعان ما تراجعت لأسباب أخرى). لكن هل سينقذ تحرك العملة الصينية الاقتصاد العالمى فى الأجل القصير؟ الإجابة هى لا. ولا تمثل العملة الصينية المقومة بأقل من قيمتها سوى قضية ثانوية فى الاختلالات العالمية الراهنة والضعف الاقتصادى. وسوف تساعد زيادة قيمتها فى معالجة قضية الاختلالات العالمية، لكن الآثار قصيرة الأجل لذلك تكاد لا تذكر. أسباب ذلك بسيطة إلى حد ما. فربما يكون الاقتصاد الصينى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم ولكنه بحجم خمسة تريليون دولار، مازال يساوى ثلث حجم الاقتصاد الأمريكى. ولا شك أن التغيرات فى السياسة الاقتصادية للصين تؤثر على الاقتصاد العالمى، لكن ليس بدرجة تأثير القرارات التى تصنع فى واشنطن. وهناك سبب آخر لعدم كون تأثير زيادة سعر عملة الصين كبيرًا فى الأجل القصير، وهو أن بكين لن تسمح بارتفاع الرنمنبى بشكل حاد. وبناء على تاريخ بكين السابق فى إدارة عملية إعادة تقويم عملتها، من المحتمل أن تحافظ الصين على معدل زيادة الرنمنبى عند نحو خمسة فى المائة سنويًا، بهدف أساسى هو السماح لشركات التصدير الصينية بضبط وردع المضاربين فى العملة الراغبين فى تحقيق ربح سريع عبر ضخ أموال مكتسبة بطرق غير مشروعة إلى الصين. وبطبيعة الحال، فإنه إذا ارتفعت العملة الصينية بمعدل خمسة فى المائة سنويًا لمدة ثلاث أو أربع سنوات فمن الممكن أن يكون التأثير كبيرًا. من الذى سيستفيد من إعادة تقويم العملة الصينية؟ ربما يعتقد الساسة الأمريكيون الذى قاموا أكثر من غيرهم بالضغط على الصين من أجل إعادة تقويم عملتها، أن الشركات الأمريكية سوف تستفيد من تحريك العملة الصينية. إلا أنهم مخطئون فى الأغلب. فمعظم المنتجات (المعتمدة على كثافة اليد العاملة) المصنوعة فى الصين التى ستصبح غير قادرة على المنافسة نتيجة لرفع قيمة العملة لم تعد تصنع فى الولاياتالمتحدة؛ لذلك فمن المحتمل أن يكون المستفيدون هم الشركات الهندية والمكسيكية أو الشركات الفيتنامية. وسوف تستفيد بعض الشركات الأمريكية التى تبيع السلع للصين (مثل جنرال موتورز، وإنتل، وبوينج) لأن منتجاتها ستكون أرخص. وسوف يقل الخلل التجارى بين الولاياتالمتحدة والصين ولكنه لن يختفى. ولن يستفيد الأوروبيون كثيرًا من إعادة تقويم الرنمنبى، لأن اليورو هذا العام انخفض بالفعل 15 فى المائة مقابل العملة الصينية. ولكن فى الأجل الطويل، سوف تشعر بلدان منطقة اليورو بالتأثير الإيجابى لإعادة تقويم العملة. وسيكون منافسو الصين فى العالم النامى هم أبرز المستفيدين من إعادة تقويم الرنمنبى لأن الشركات الأجنبية التى نقلت الإنتاج إلى الصين للاستفادة من رخص عمالتها، سوف تنقل بعض عملياتها إلى هذه البلدان خاصة إندونيسيا والهند وفيتنام. والأمر المثير هو أن الصين سوف تستفيد أيضًا. فهى ستدفع ثمنًا أقل مقابل الواردات، خاصة من سلع كخام الحديد والمواد الغذائية والبترول التى تشهد أسعارها ارتفاعًا مؤخرًا. غير أن شركات التصدير الصينية سوف تدفع الثمن. فهوامش أرباحها ضئيلة للغاية، تحت مستوى العشرة فى المائة عادة. ومن ثم، يمكن لإعادة تقويم العملة بنسبة 10 إلى 5 فى المائة أن تدفع بعدد كبير من الشركات خارج السوق. ويبدو أن هذه مخاطرة تستعد الحكومة الصينية لخوضها لسبب جيد. وتحث بكين شركاتها منذ فترة على تطوير نفسها تكنولوجيًّا. فهى تدرك أنه لا مستقبل للتصنيع كثيف العمالة ذى هامش الربح القليل. لكن الشركات الصينية لم تلتفت لنصح حكومتها. ومن خلال منح هذه الشركات دعمًا مستترًا عبر إعادة تقويم العملة، حدَّت من فعالية سياستها لتطوير الصناعة. والآن، وبعد أن تغيرت الأمور، بدأت بكين فى سحب هذا الدعم، وسيواجه المصدرون الصينيون خطر الغرق إن لم يستطيعوا العوم. وهكذا، وعلى النقيض من الحكمة التقليدية، لن تؤدى إعادة تقويم العملة الصينية إلى إنقاذ الاقتصاد العالمى، ولكنها ستنقذ الاقتصاد الصينى على المدى البعيد.