بالأمس استلم نيكولا ساركوزي مهام منصبه ليصبح الرئيس الجديد للجمهورية الفرنسية خلفا للرئيس جاك شيراك، ولم يكن ذلك باليسير كما هو الحال مع الدول الديمقراطية التي يتم فيها تداول السلطة بسهولة فقد أشعل معارضوه النيران في عشرات السيارات وأصيب العشرات عندما استقبلوا خبر فوزه، وهو ما يعكس أن فترة حكمه ستكون عصيبة ستمر معها فرنسا بمرحلة تقلبات قد تبدو مخيفة ولا يمكن التنبؤ باتجاهاتها. ولعل الأجندة الاقتصادية لساركوزي مرشح اليمين تمثل العبء الأكبر والمهمة التي تبدو الأكثر صعوبة هو الاقتراب من مثلث "المهاجرين الفقراء المهمشين" وهو مثلث أشبه ب "التابو" لم يجرؤ أي رئيس فرنسي ربما منذ الحرب العالمية الثانية أن يقترب منه باستثناء فرانسوا ميتران الرئيس الراحل وفشل هو أيضا في ذلك. وهذه المعضلة تضع ساركوزي في خيارات صعبة وهو الذي ربما يحاول أن يحسن من صورته بين هذه الفئات، فهو الاَن رئيس لكل الفرنسيين وهي مهمة تبدو بالمستحيلة فالإذعان لبعض الطلبات للمثلث الأكثر سخونة ستثير اليمين المتطرف ضده وعلي رأسهم جان ماري لوبان وأعوانه ومواصلة سياسة التجاهل قد تضطره إلي تبني سياسة المواجهة والصدام وهو ما سيثير نسبة أكبر من الفرنسيين ضده. فالاقتراب من أسوار هؤلاء الفئات الذين عزلوا عن المجتمع الفرنسي في سياسة تشبه الفصل العنصري أو "ابرتايت" كما كان يحدث في جنوب أفريقيا، إلا أن كسر الحاجز الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية لهؤلاء قد يكسر الحاجز النفسي بين هذه الفئات والمجتمع الفرنسي فيذبون في ثقافته أو علي الأقل لا يعادون هذه الثقافة، وبالتالي يمكن أن يمثلوا في المجالس النيابية ويحصلوا علي فرص عمل أفضل ومراكز قيادية وهي أمور محرمون منها حتي الاَن رغم وجود كفاءات نادرة تغادر بعضها البلاد إلي دول أخري. يضاف إلي ما سبق ملفه الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو اللذان لا يمضيان علي مايرام، فألمانيا أكبر اقتصاد في أوروبا استطاعت سريعا أن تستعيد نموها بعد تولي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الحكم. والمثير أنه أثناء فترة الانتخابات وعد ساركوزي بعدم زيادة الضرائب المفروضة علي الأغنياء وتساءلت الطبقات الأخري في فرنسا ولكن كيف سيغطي العجز في الميزانية ومعدلات التضخم؟ فضلا عن اشتعال أسعار المنازل وتردي الخدمات. ومن المعروف أن باريس من أغلي عواصم العالم إن لم تكن الأغلي علي الإطلاق. وتبدو مهمة ساركوزي بالغة الصعوبة فالأعباء كثيرة وأي قرار سيتخذ سيثير جدلا كبيرا سينعكس علي الاستثمارات وأسواق المال فضلا عن الرأي العام الفرنسي الذي أثبتت نتائج الانتخابات أن 47% يرفض ساركوزي. وبالأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي والتجاري مع أمريكا وحلفائها تزداد الصورة قتامة، فإصلاح العلاقات مع أمريكا قد يتطلب تقديم بعض التضحيات التي قد لا ترضي الفرنسيين. فالظروف الدولية المحيطة بساركوزي تجعل مهمة توليه لرئاسة الجمهورية في هذه المرحلة بالغة الدقة اختبارا صعبا لقدراته، خصوصا وهو أول وزير داخلية فرنسي يتولي أعلي منصب في الدولة، فهل ستؤثر خلفيته شبه العسكرية علي قراراته؟ وربما تقل الضغوط علي ساركوزي قليلا في حالة تغير المناخ الدولي كانسحاب أمريكا من العراق والاقتراب من حل لقضية الشرق الأوسط وهو أمر يحتاج إلي معجزة خصوصا في ظل بعض الاهتمام التي تبديه القوي الكبري بهذه القضية التي تمثل جوهر الصراع الدولي الحالي.