واصلت أسعار النفط ارتفاعها لتلامس 65 دولاراً للبرميل في الأسابيع الماضية، ولأسباب لا علاقة لها بالصناعة النفطية وسوقها، إنما لدواع سياسية منها الملف الإيراني النووي وأزمة البحارة البريطانيين. وتأتي هذه التطورات علي رغم عدم اقتناع الدول المنتجة للنفط بهذه المعدلات المرتفعة التي لا تصب في مصلحة المحافظة علي أسعار معتدلة ومستقرة للنفط علي المدي المتوسط والبعيد، خصوصاً ان الدول النفطية والدول المستهلكة أصبحت مقتنعة بمعدل سعري مقبول بين 55 و 60 دولاراً للبرميل، تحبذه وترحب به. فأسعار النفط ستكون بالتأكيد لمصلحة الدول المنتجة والمصدرة بفضل ما سيتحقق من فوائض مالية كبيرة في صناديق موازناتها التجارية وإمكان زيادة الاستثمار في البنية التحتية في دولها، لكن يجب أيضاً التنبه الي أن الزيادات في أسعار النفط ستتبعها زيادات في أسعار السلع والمواد الخام. وجعلت هذه الزيادات الأولية - وفقا لتقرير صادر عن موقع بورصة انفو- بعض الدول والشركات تجمّد خططاً لمشاريع نفطية كبيرة أو تلغيها بعد تضاعف كلفتها النهائية. وتشمل المشاريع الملغاة أو المؤجلة مشروعاً لبناء مصفاة مشتركة في الإمارات بين شركتي "أدنوك" المملوكة لحكومة إمارة أبو ظبي و "كونوكو - فيليبس" الأميركية، والمصفاة الرابعة في الكويت التي زادت كلفتها 16 بليون دولار، ومشروع تحويل الغاز إلي سائل في قطر الذي زادت كلفته من خمسة بلايين دولار إلي 15 بليوناً ما أفقد المشروع ربحيته والعائد المالي علي الاستثمار. وهذه الظاهرة قد تؤدي إلي مشكلة في المستقبل لجهة عدم توفر طاقات كافية من التكرير وحصول نقص في المنتجات النفطية المكررة وتتمثل المشكلة المقبلة نتيجة للارتفاع الحاد في أسعار النفط في زيادة فرص الاستثمار والتوسع في مجال إيجاد بدائل عنه بسبب فارق الأسعار، ما يشجع الاستثمار في مجالات أخري منافسة للنفط، مثل مادة الإيثانول والتوسع في مجالات خلايا الوقود. وكلما ارتفعت أسعار النفط ازداد الاستثمار في الحقول النفطية الصعبة والحقول الهامشية التي تنتج أقل من 10 براميل من النفط الخام يومياً، خصوصاً في الولاياتالمتحدة. ويزداد الاستثمار أيضا في تطوير النفوط الثقيلة والتي تقل كثافتها عن 10 "إيه بي أي في فنزويلا"، والرمال النفطية في كندا. سيؤدي في النهاية إلي وجود طاقات إنتاجية وفيرة من النفط وبدائل حقيقية منافسة وآمنة وصديقة للبيئة، ما سيخفض الطلب العالمي عليه مع وجود البدائل ووجود كميات كبيرة من النفط الخام. لذلك يجب التنبه الي تزايد البدائل علي المدي البعيد ومحاولة إيجاد المعادلة اللازمة للمحافظة علي طلب عالمي متنام علي النفط والحفاظ علي معدلات مناسبة مقبولة ومعتدلة للأسعار. ان الأسعار الحالية التي تزيد علي 60 دولاراً للبرميل مرتفعة وفي حاجة إلي تعديل وتصحيح، وليست الدول النفطية في حاجة إلي فوائض أكثر في موازناتها المالية، إذ ليس في امكانها زيادة الاستثمار في هذا الوقت القصير، خصوصاً مع محدودية طاقاتها وبنيتها التحتية لاستغلال هذه الفوائض المالية العالية بطريقة اقتصادية علمية وعملية سليمة.