الجدل المثار حاليا حول برنامج الكتاب القومي للمدارس الذي تموله هيئة المعونة الامريكية ب 100 مليون دولار يثير العديد من الاسئلة وعلامات التعجب حول السبب الحقيقي لتخصيص امريكا مثل هذه المنحة الضخمة من اجل طباعة وتأليف كتب وقصص لاطفال المدارس يصل سعر بعضها الي 400 جنيه؟ هل من اجل تحسين العملية التعليمية وبناء جيل متحمس للقراءة وتخفيض نسبة الامية كما يقول المشروع ام ان الهدف ابعد واعمق من هذا الا وهو طمس الهوية والثقافة المصرية وفصل أبنائنا عن جذورهم الثقافية والدينية من خلال غرس قيم غربية تساهم في تشويه فكر وادراك وعقل جيل كامل مازالت براعمه الفكرية تتفتح؟ ولماذا لم توجه لبناء مدارس ومعامل او تزويد المدارس بأجهزة الحاسب والاثاث المدرسي اذا كانت هذه المنحة بريئة وتهدف بالفعل الي تطوير العملية التعليمية في مصر؟ هذا البرنامج تنتهي مرحلته الثانية في يولية المقبل ويستمر حتي سبتمبر 2008 ويهدف لتوزيع 21.838.695 كتابا علي 39 الف مدرسة تغطي جميع مراحل التعليم قبل الجامعي كما يقدم مواد تعليمية وكتبا وافلاما مصورة لاطفال الحضانة، ويستبعد المشروع اي كتب دينية او ثقافية كما اشترط فقط تقديم الكتب المسلية التي تحمل قيما غربية وامريكية وفقا لما قاله الدكتور فريد اسماعيل عضو مجلس الشعب في بيانه العاجل حول المشروع. تعمل في المشروع لجنة مصرية امريكية تضم 12 عضوا مصريا يمثلون وزارة التربية والتعليم وجمعية الرعاية المتكاملة واساتذة جامعات خلافا ل 40 مراجعا مصريا لكل مرحلة من مراحل المشروع الثلاث ولا اعتقد انه كان للاعضاء المصريين دور حقيقي في اختيار الكتب والموضوعات في ظل الشروط المذكورة سابقا ورغم تقديرنا لاعضاء اللجنة وممثلي الوزارة وعدم تشكيكنا في نزاهة ووطنية اي منهم فإنه كانت هناك اخطاء جسيمة في الموافقة علي بعض القصص التي دار حولها الجدل في مجلس الشعب مثل "فرحانة" و"اليد العليا" و"جحا الياباني" ومن الضروري بل الحتمي تدارك الخطأ بسحب اي كتاب يتنافي محتواه مع اعرافنا وتقاليدنا. احد اعضاء اللجنة برر ما جاء في بعض القصص من قيمة سلبية بقوله لاننا نعلم الاطفال عن طريق النموذج الموجب والنموذج السالب وانا اسأله عن مغزي القصة وذلك خلال حواره في برنامج "90 دقيقة"، ثم قال ان الوزير قال لنا: اعطوا القصة لعشرة اطفال و"شوفوا" رأيهم فيها، علما بان الوزير قال في مجلس الشعب ان الاطفال في هذه السن لا يستطيعون التمييز بين الجيد والسيئ فهل هذا كلام جاد او علمي؟ ان نترك الحكم للاطفال الصغار الذين لم ينضج تفكيرهم وادراكهم بعد، كما اننا نعلم مدي تأثر الاطفال بالرسوم الجذابة والالوان البراقة اكثر من اهتمامهم وادراكهم بالمحتوي المقدم لهم؟ وهل قضية بهذه الخطورة نعالجها بمثل هذا الاستخفاف والاستهانة؟ وما يستحق ان نتوقف امامه ايضا هو لماذا تم رفض كتب من تأليف كتاب مصريين بارزين ولماذا لم تتم الاستعانة ببعض القصص والكتب الفائزة بجوائز سوزان مبارك لكتب الاطفال التي تنظم سنويا واين ابداعات مؤلفي قصص الاطفال المصريين المشهورين؟ ولماذا لم تقم الوزارة واللجنة باختيار ما يصلح منها للمدارس؟ ألم يكن الافضل الاستعانة ببعض هذه الكتب التي من المؤكد انها تتلاءم بصورة اكبر مع قيمنا وثوابتنا الدينية والانسانية؟ وما الذي يجعل السفير الامريكي يزور العديد من المدارس الابتدائية والاعدادية في بعض المحافظات ويهدي الوزارة كتبا امريكية مترجمة للعربية مخصصة للاطفال الصغار؟! ولماذا تهتم السفارة الامريكية كذلك بترجمة 235 كتابا في مختلف الموضوعات الي العربية بزعم انها تهدف الي تعريف الشباب المصري بأفضل الادبيات الامريكية وتشجيعهم علي القراءة المبكرة؟ هل قامت الوزارة بالاطلاع علي هذه الكتب والقصص للتأكد من محتواها والقيم التي تروج لها قبل ان توفرها لابنائنا، ام اكتفينا بقبول الهدية وانتهي الامر؟! إن التعليم قضية وطنية يجب ان نوليها اهتماما اكبر ونحميها من اي محاولة للاختراق وان يكون للوزارة دور اكبر في قبول او رفض اي محتوي مخالف، كما ان التعليم في المراحل الاساسية بالذات يجب ان يكون مصريا خالصا نابعا من بيئتنا وثقافتنا وهويتنا الدينية والانسانية ولا يجوز بأي حال من الاحوال ان تشوبه اي شائبة تؤثر علي عقول اطفالنا وتخترقها من خلال منح مشروطة لها اهداف محددة لان اطفالنا الذين يتشكل تفكيرها ووجدانهم وادراكهم مما يتلقونه من علم وما يتعرضون له من ثقافة وفكر..هم وحدهم ذخيرة هذا الوطن، والذين سوف يشكلون مستقبله القريب والبعيد.