هكذا يدرك أولمرت أن الأنظمة العربية المعتدلة تسعي إلي تشجيع الولاياتالمتحدة علي ضرب إيران عسكريا بوصفه المسار الوحيد الممكن لتحجيمها وضرب مشروعها وهي أي الأنظمة جاهزة لدفع الاستحقاقات المطلوبة لتحقيق الهدف أكان بالسكوت علي السياسات الأمريكية في العراق، أم ببث أوهام السلام في المنطقة وتهدئة الملف الفلسطيني، فضلا عن تعزيز الحشد المذهبي ضد إيران من أجل عزلها عن الشارع العربي والإسلامي. نعلم بالطبع أن ما يحرك السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المنطقة علي وجه التحديد هي المصالح الاسرائيلية والاسرائيليون اليوم يريدون ضرب المشروع النووي الايراني كما يريدون التهدئة الفلسطينية من أجل لملمة وضعهم الداخلي المتداعي بعد حرب لبنان أما أولمرت نفسه فيسعي إلي رفع شعبيته علي أمل أن يمنحه ذلك إلي جانب تحسين الوضع الأمريكي في العراق (وهو مصلحة إسرائيلية أيضا) وضرب إيران، فرصة المضي في البرنامج الذي أورثه إياه سلفه شارون أعني برنامج الحل الانتقالي بعيد المدي الذي حمل عنوان الدولة المؤقتة علي قطاع غزة وما يتركه الجدار من الضفة الغربية. هنا سنجد أن ما يطلبه أولمرت هو أشبه بالمعجزة أو لعله الحلم الذي يشبه إلي حد كبير حلم ما بعد احتلال العراق الذي صاغه المحافظون الجدد علي ايقاع المصالح الاسرائيلية، فقد كان الأصل بعد فشل مشروع أوسلو هو احتلال العراق الذي سيؤدي بدوره إلي إعادة تشكيل المنطقة بعد ضرب سوريا وإيران وتركيع الوضع العربي برمته الأمر الذي سيرتب الأجواء لتسوية علي المقاس الإسرائيلي وصولا إلي تنصيب الدولة العبرية سيدة علي المنطقة برمتها هل تذكرون تنظير شيمون بيريس للشرق الأوسط الجديد الذي تتسيده الدولة العبرية مطلع التسعينيات؟ هل يمكن للحلم الجديد للدولة العبرية وهذه المرة بزعامة أولمرت أن يتحقق؟ إن التوصيف الصحيح لمعادلة الصراع كما يقدمها أولمرت لا يعني أن كل شيء سيمضي علي ما يرام وصولا إلي حلم الدولة المؤقتة التي ستغدو في حال نزاع حدودي مع جارتها (تأبيد النزاع) وكما تحول الحلمان السابقان حلم بيريس وحلم صهاينة الولاياتالمتحدة الذين صاغوا برنامج الحرب علي العراق إلي هباء منثور بفعل المقاومة الشعبية البطولية فسيلقي الحلم الجديد ذات المصير والسبب أن مقاومة العراق لن تتوقف ومعها مقاومة أفغانستان أما ضرب إيران في حال تم فلن يؤدي إلي تركيعها حتي لو أدي إلي تحجيم طموحاتها الاقليمية إذ ستبادر إلي ردود مكلفة ضد مصالح الولاياتالمتحدة لاسيما في العراق بينما ستؤدي هذه التطورات جميعا إلي دفع الفلسطينيين إلي ترجمة رفضهم للدولة المؤقتة مرحلة مقاومة جديدة تستعيد انتفاضة الأقصي ربما علي نحو أكثر قوة. من هنا نقول إن صهاينة الولاياتالمتحدة ومعهم صهاينة الدولة العبرية لا يفهمون هذه المنطقة وشعوبها وتحولاتها الدينية والسياسية ولو فهموها لما أوغلوا في مغامراتهم البائسة فهنا ثمة أمة لا يزيدها الاستهداف إلا إرادة ومقاومة فكيف حين يأتي في ظل صحوة دينية عارمة كالتي تعيشها هذه الأيام؟! وفي أحد حواراته الصحفية ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت إلي أن الدول العربية المعتدلة قد اكتشفت أن عدوها الحقيقي في المنطقة ليس الدولة العبرية، وإنما إيران والإسلام الأصولي وأن هذه النظرة الجديدة المغايرة تماما للنظرة القديمة ستفتح أفقا واسعا للسلام في المنطقة. معلوم أن تصنيف الدول العربية المعتدلة كان من ابتداع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، وكان سابقا علي تسميتها الأخري (الرباعية العربية) التي تضم مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ويري أولمرت أن الموقف الجديد قد تبلوربسبب حرب لبنان الأخيرة الأمر الذي لا يبدو مقنعا إلي حد كبير وإن بدا أنه صحيح من حيث التوقيت حيث ساهمت عملية حزب الله بأسر الجنديين في بلورة موقف سعودي غير مسبوق من الحزب ومما يجري في لبنان فيما دفع موقفها من إيران نحو مزيد من الوضوح. كيف يمكن للمراقب أن يقرأ معادلة أولمرت الجديدة وهل ستساهم بالفعل في فتح أفق للسلام، وأي سلام هذا المقصود أما الأهم فهو كيف يمكن للعلاقة بين الأنظمة العربية المعتدلة وبين إيران والإسلام الأصولي أن تتطور خلال المرحلة المقبلة؟ لا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا ان التوصيف الذي قدمه أولمرت لتفكير دول ما يسمي محور الاعتدال يبدو صحيحا إلي حد كبير وهو ما ينطبق في بعض فصوله علي جميع الدول العربية (من زاوية علاقتها من الإسلام الأصولي) ذلك أن التحدي الأكبر بحسب ما تراه تلك الدول و المشروع الايراني، أكان بطبعته القومية أم بطبعته المذهبية التي لا تتواني عن توظيف الأقليات الشيعية في العالم العربي أما تحدي الدولة العبرية فقديم ويمكن التعامل معه ضمن سياسة المراوحة القائمة منذ عقود. الإسلام الأصولي هو بدوره تحد أساسي لجميع الدول العربية، أكان معتدلا يذهب في اتجاه صناديق الاقتراع أم متطرفا يحمل السلاح ويطلق الرصاص ويفجر المفخخات والأحزمة الناسفة لأنه في كلتا الحالتين يسعي إلي تغيير الأوضاع القائمة أكان تغييرا من الجذور أم من خلال تحجيم صلاحيات الفئات الحاكمة عبر المراقبة والمعارضة الفاعلة. معلوم أن الأنظمة العربية تصب بحساسية مفرطة ازاء معارضة الداخل أكبر بكثير من ضغوط الخارج ومطالبه وهي جاهزة علي الدوام للدفع للخارج مقابل منحها حق التصرف مع معارضة الداخل أو مساعدتها في ضربها وتحجيمها. الآن لا يري الأمريكان بأسا في منح الأنظمة العربية فرصة التعامل مع معارضتها الأصولية بالطريقة التي تراها مناسبة وبالطبع مقابل الدفع من جيب القضية الفلسطينية والعراقية والتعاون في ملف إيران إلي جانب قضايا تخص السياسات الداخلية الأخري، لاسيما الاقتصادية منها.