ما بين صرخات أصحاب المصانع والشركات، واراء اتحاد مصدري الاقطان، جاءت رؤية الخبراء أكثر صراحة ووضوحا.. وكشفت عن أسباب ونواقص حقيقية وراء عدم استقرار وتذبذب صادرات القطن.. وقدموا حلولا وسبلا لمواجهة هذه الازمة. أكد الدكتور أشرف كمال عباس "عضو جمعية الاقتصاد الزراعي" أن من أهم العوامل التي أدت الي تراجع حجم تصدير الاقطان المصرية هو عدم تواجد القطن المصري بالصورة التي تتناسب مع صادراته فيما سبق، ولاسيما وأن مصر كانت تعتبر في مقدمة الدول المنتجة والمصدرة للأقطان الطويلة وفائقة الطول، وهو ما يعود إلي أن هناك كثيرا من المحاصيل التي تتنافس مع القطن من حيث توقيت الزراعة وهي محاصيل غالبيتها أكثر ربحية وأقل مكثا في الأرض وبالتالي فإن المزارع يتجه بطبيعته الي زراعتها مما أدي خلال سنوات طويلة لعدم تواجد القطن المصري وانخفاض مساحته المنزرعة. فضلا عن أنه لم يتم الاستفادة من المزايا النسبية المتاحة للقطن المصري من خلال جودته الطبيعية وتطويرها الي مقررات تنافسية من خلال انتاج غزول تتناسب مع ذلك المستوي. وبالتالي فإن عدم استقرار وتذبذب صادرات القطن المصري خلال فترة طويلة نسبيا أدي الي فقد جزء من النصيب السوقي لمصرفي الأسواق الخارجية. تصحيح الأوضاع وعن المطلوب من جانب الدولة لتصحيح الأوضاع بأسواق القطن المصري فإن دكتور أشرف يؤكد أنه يجب ان تقوم الدولة بتخصيص جزء من الميزانية لدعم المزارع المصري لإنتاج المحاصيل التي تمثل أولويات مجتمعية سواء لتحقيق الأمن الغذائي أو التصدير أسوة بالدول المتقدمة التي تدعم الزراعة. وذلك رغم أننا لن نكون قادرين علي منافسة هذه الدول في مجال قدرتها علي دعم المنتجين الزراعيين ولكن علي الأقل فإننا كما نتفق جميعا علي أهمية دعم صحة المواطن المصري فإنه يجب أن يكون هناك توافق مجتمعي وإعطاء أولوية لدعم المنتج الزراعي حتي يظل النشاط الزراعي مربحا مما يؤدي إلي تطوير التنمية الريفية. انخفاض جودة بعض الأصناف ويري محمد ربيع "خبير استثمارات الغزل والنسيج" أن انخفاض جودة بعض الأصناف وعدم قبولها في أسواق التصدير هو الذي تسبب في حدوث انخفاض حجم التصدير هذا العام عن العام الماضي، حتي أن السوق المحلي ذاته به مشكلات بسبب ذلك حيث ان هناك شركات قامت بأخذ اقطان وتراجعت بعد ذلك في تعاقداتها نتيجة انخفاض جودة بعض الأصناف. وهو الأمر الذي يجب أن تقف أمامه أجهزة الدولة المعينة بالقطاع الاستثماري والزراعي للتعرف والوقوف علي الأسباب التي وصلت بالقطن المصري الي هذه المرحلة. ولاسيما وأن الخبراء منذ سنوات وهم يتحدثون عن كيفية تنمية تصدير القطن بعد رفع القيمة المضافة له والتوقف عن تصديره كشعر، ولم يتوقع أحد أن نصل اليوم للحديث عن انخفاض تصدير القطن الخام. انخفاض الجودة وعن أهم الاسباب التي تكمن وراء انخفاض جودة بعض الأصناف القطنية ومن ثم تؤثر في تراجع حجم التصدير فإن خبير استثمارات الغزل والنسيج "محمد ربيع" يؤكد أن عدم توافر الدعم والتشجيع الكافي للفلاح القائم علي زراعة القطن هو الذي يتسبب في كل المشكلات التي تواجه الاستثمارات القطنية في مصر بدءا من انخفاض المساحات المنزرعة ووصولا الي انخفاض جودة بعض الاصناف، ولاسيما وأن عدم شعور الفلاح المصري بانه يكسب من تصدير القبطن هو الذي لا يجعله مهتم بالتوسع في زراعته ويدفعه للاهتمام بزراعة المحاصيل التي تحقق له ربحا أكثر. ولذلك فإن الدولة اذا كانت جادة وراغبة في تشجيع وتوسيع حجم الاستثمارات القطنية فإنه يجب عليها أن تسعي أولا وأخيرا لتشجيع ودعم الفلاح المصري حتي يشعر بالأمان والربحية التي يمكن ان تتحقق له من خلال زراعة محاصيل القطن.. ويجب أن ننظر في ذلك الي الولاياتالمتحدةالأمريكية وما تفعله مع الفلاحين بها. فالدعم وحده ليس كافيا للفلاح وإنما يجب توفير المناخ الملائم له والذي يساعد علي الزراعة الجيدة من أجل إعطاء انتاج نظيف وآمن وقادر علي اختراق الاسواق التصديرية. نتيجة بديهية يؤكد د. شريف فياض الباحث بقسم الاقتصاد الزراعي بمركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة ان ما يعانيه القطن المصري من ترد واضح بانتاجيته ومن ثم تراجع مستواه التصديري يعد بمثابة نتيجة بديهية لما انتهجته الدولة من سياسات داخل قطاع الزراعة منذ منتصف الثمانينيات والتي شملت في مخططها ما يعرف ب"برامج التكيف الهيكلي" بوصفه حزمة من السياسات التي تم وضعها من قبل صندوق النقد الدولي كخطوة نحو الإصلاح الزراعي وتشمل أحد بنود هذه السياسة ان يتم الغاء الدعم الموجه لمدخلات الانتاج الزراعي بالاضافة الي ضرورة ترك الحكومة المصرية عملية تسويق المنتجات الزراعية بما فيها محصول القطن في أيدي كل من القطاع الخاص والتعاونيات. وكانت من أبرز تداعيات تطبيق هذه السياسات ارتفاع اسعار مستلزمات الانتاج الزراعي من تقاوي واسمدة كمياوية ومبيدات وغيرها حيث بلغت نسبة زايادة اسعار الاسمدة الكيماوية علي سبيل المثال 35% وهو الأمر الذي ادي بدوره الي ارتفاع تكلفة انتاجية القطن بوصفه من المحاصيل التي تعتمد علي المبيدات والاسمدة الكيماوية بشكل كبير وهو ما سبب العديد من الخسائر للمزارعين منذ عام 1995 خاصة ان معدل الزيادة في تكاليف انتاجية القطن يفوق بمراحل معدل الزيادة في سعر قنطار القطن. وهكذا فإن صافي عائد الربحية للمزارع البسيط أقل بكثير من حجم تكلفة انتاجية القطن نفسها لان محصول القطن يعد من المحاصيل التي تحتاج في زراعتها الي مدة طويلة داخل الارض الزراعية قد تصل الي 7 اشهر كاملة. ويري د.فياض اننا إذا كنا ننشد بالفعل تحسين انتاجية محصول القطن فينبغي أولا اتاحة ظروف مواتية للفلاح المصري الفقير الذي كان يحرص علي زراعة محصول القطن في الوقت الذي يكتفي فيه كبار المزارعين بزراعة محاصيل الفاكهة والخضراوات لوعيهم الكامل بمزايا زراعتها والتي تتلخص في ان دورة رأس المال فيها سريعة وتكاليف انتاجيتها منخفضة كما أن صافي العائد منها مرتفع بوصفها "محصولا نقديا" ذا مردود اقتصادي مرتفع خاصة ان الدولة رفعت يديها نهائيا عن الدورة الزراعية منوها الي ان الأيام القليلة الماضية كشفت النقاب عن تقلص مساحة القطن طويل التيلة ممتاز صنف جيزة 45 بنسبة 80% بالمقارنة بالثمانينيات، الأمر الذي بات ينذر بعواقب وخيمة علي صناعات الغزل والنسيج المصرية، هذا بخلاف حقيقي أن تراجع صادرات مصر من القطن المصري يعد ضياعا حقيقيا لعائدات التصدير من العملة الصعبة، حيث يتم تصدير القطن طويل التيلة ممتاز الي الخارج واستغلال القيمة في استيراد المزيد من الاقطان متوسطة التيلة مثل القطن السوداني والسوري واليوناني ليناسب امكانيات ماكينات المحالج والمغازل المصرية. مؤكدا أن دخول شركات القطاع الخاص والتعاونيات في عملية تسويق القطن، ومع تقلص دور التعاونيات وسيطرة القطاع الخاص متمثلا في ثلاث شركات فقط علي سوق القطن والبورصة معا وقع المزارع البسيط فريسة لسياسة الاحتكار الذي تمارسه هذه الشركات.