طالب خبراء الزراعة بضرورة وضع خطة طموح لتنمية محصول القطن وجميع القطاعات المرتبطة به مؤكدين ان تدهور عملية التسويق من اهم اسباب تراجع القطن المصري. يؤكد الدكتور أشرف كمال عباس "عضو الجمعية المصرية للاقتصاد الزراعي" ان القطن المصري شهد تدهورا واضحا خلال ثلاثة عقود من الزمان، كمحصلة للعديد من العوامل الخارجية والداخلية التي ادت لهذا الوضع. وتتمثل العوامل الخارجية التي تعد خارج نطاق السيطرة والتحكم المحلي في تغيير اذواق المستهلكين واتجاههم الي الملابس "الكاجوال" وحدوث تطور في صناعة الغزل بحيث امكن الحصول علي غزول ذات مستوي اعلي من اقطان قصيرة وذات مستوي اقل. هذا بالاضافة الي مايلقاه القطن المصري من منافسة شرسة وغير متكافئة طبقا لنظام محكم لدعم القطن الامريكي "البيما" المنافس الرئيسي للقطن المصري من الاصناف الطويلة وفائقة الطول، حيث يتم تقديم قيم نقدية عالية من الدعم بدءا من الدعم المحلي للمنتج وانتهاء بدعم ائتمان الصادرات وذلك مع القدرة علي الالتفاف علي قواعد التجارة الحرة خاصة ان جزءا كبيرا من هذا الدعم مسموح به في اطار قواعد منظمة التجارة العالمية، الامر الذي يزيد من صعوبة الموقف خارجيا، وفيما يخص العوامل الداخلية التي ادت لتدهور اوضاع القطن المصري عالميا فهي تتمثل في تراجع وانخفاض حجم المساحات المنزرعة نظرا لعزوف المزارعين عن زراعة القطن في ظل ارتفاع تكاليف انتاجه مقارنة بغيره من المحاصيل الاخري، فالقطن يعد من اكثر المحاصيل الزراعية تكلفة نظرا لارتفاع تكاليف المقاومة والخدمة وطول فترة وجوده نسبيا في الارض. ولهذا فقد شهدنا هذا العام انخفاضا شديدا في حجم المساحة المنزرعة من القطن والتي قدرت بحوالي 287 ألف فدان في حين انها في السابق كانت تقدر بمليون فدان..! ومن ثم فإن هذا التراجع والانخفاض يؤثر بالطبع علي التواجد المصري في الاسواق الخارجية والتي تقوم علي الفور بالاستعاضة عن الاقطان المصرية بأصناف اخري من الدول المنافسة لمصر. ويستطرد عباس في حديثه عن اوضاع القطن الحالية مؤكدا ان الخروج من هذا المأزق يتطلب ضرورة العمل علي وضع خطة طموح وواقعية في نفس الوقت تعمل علي تنمية قطاع القطن بجميع مكوناته بحيث يتم ايجاد توازن بين الوفاء باحتياجات الصناعة المصرية حتي من الاقطان قصيرة التيلة عن طريق الاستيراد الجزئي مع زيادة احلال القطن المصري كمادة خام لتلك الصناعة عاما بعد آخر. وهذا كله الي جانب العمل علي استعادة الوضع المتميز السابق لمصر في تصدير الاقطان الطويلة وفائقة الطول التي كانت مصر منذ عشر سنوات تستحوذ علي 50% من السوق العالمي لهذا الصنف المتميز تحديدا، بينما لا تتجاوز اليوم حوالي 27% من هذا السوق. ويجب ايضا العمل علي تطوير جميع اجزاء منظومة القطن من خلال وضع سياسات سعرية مرنة تعمل علي تشجيع المزارع علي العودة اليه في ظل المنافسة الشديدة علي الموارد الارضية في الموسم الصيفي الذي يوجد به محصول الارز الاعلي في الربحية بالنسبة للمزارع، وكذلك محصول الذرة الشامية. كما يجب الاهتمام بشكل بالغ بضخ الاستثمارات بقطاع الصناعة الضخم التقليدي في مصر بما يتضمنه من طاقات معطلة يمكن ان تعمل علي دفع دماء جديدة في شرايين الاقتصاد القومي، علي ان يرتبط ذلك بتطوير تكنولوجيات صناعات الغزل والنسيج، وتطوير انتاج الملابس الجاهزة القطنية بما يتلاءم مع الاذواق العالمية. ويشير د.سعد علام استاذ الاقتصاد الزراعي بمعهد التخطيط القومي الي ان القطن المصري يواجه مصيرا مجهولا في ظل انخفاض مساحته المزروعة وبالتالي تراجع صادراتنا للخارج واصبح المزارع يعزف عن زراعته لانخفاض العائد منه ويتجه للمحاصيل الزراعية الاخري مضمونة العائد ويرجع ذلك الي تدهور العملية التسويقية للقطن المصري بالاضافة الي ان صناعة الملابس الجاهزة لا تعتمد علي القطن المصري بعد ان فقد مساحته السوقية بالعالم محذرا من السياسة الزراعية التي تتبعها الدولة حاليا حيث انها لا تشجع المزارعين علي زراعته ولا توفر مستلزمات الانتاج في الوقت المناسب بما ادي لفقد مكانته محليا وعالميا. ويوضح علام ان الصورة الحالية تؤكد علي عدم استعادة القطن المصري مكانتة سواء في حجم صادراته او انتاجه او استهلاكه محليا وقال: "لا نعرف اسباب ما يحدث، هل تعود لاهداف مقصودة ام تخلف سياسة" ويضيف علام ان محصول القطن من المحاصيل الاستراتيجية والاساسية ولكن قدرتنا الانتاجية صارت ضعيفة للغاية واشار الي ان ما يحدث هو تخريب متعمد للقطاع الزراعي وشدد علي اهمية وضع سياسة زراعية واضحة المعالم يضعها المزارع وممثلو الفلاح المصري وليس وزارة الزراعة التي يقتصر دورها علي البحث والارشاد ومواجهة المشكلات التي تواجه القطاع الزراعي ولابد من تفعيل دور الاتحادات التعاونية وبنك الائتمان الزراعي وجمعيات الارشاد ويقع عليها دور وضع السياسة الزراعية.