منذ أيام اجتمع ممثلو الدول المانحة وعددها 22 دولة في باريس لمراجعة ما حدث من تقدم في تنفيذ ما سبق أن قطعوه علي أنفسهم من التزامات تجاه البلدان النامية في عام 2005.. ففي يولية من ذلك العام أعلنت الدول الصناعية الثماني الكبري في قمة اسكتلندا عزمها علي زيادة حجم ما يتم تقديمه من معونات دولية إلي 130 مليار دولار والعمل في نفس الوقت علي مضاعفة المعونات التي تقدم إلي أفريقيا بحلول عام 2010. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الدول المانحة خلال اجتماع اَخر تم في باريس أيضا منذ أربعة أشهر وعدت بأن تكون أكثر إنكارا للذات في هذا العمل الخيري الذي تقوم به وأن تنسق عملها بشكل أفضل وتجعله أكثر تناسبا مع احتياجات الحكومات التي تعمل علي مساعدتها. ولكن المؤسف أنه لم يحدث أي تقدم في تنفيذ هذه التعهدات حيث تشير أحدث الأرقام التي أذاعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD إلي أن الدول المانحة لم تقدم للدول الفقيرة في عام 2006 سوي 104 مليارات دولار أي أقل بنسبة 5% عما تم تقديمه في عام 2005.. كذلك فإن الدول المانحة لاتزال بطيئة في عطائها وتقحم نفسها في شئون الدول التي تتلقي المعونات، كما أنها تفتقر إلي التنسيق فيما بينها بدلا من التنافس والتناحر. ويقول تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن الدول الفقيرة وعددها 31 دولة قد استقبلت في عام 2005 وحده نحو 10837 بعثة زائرة من الدول المانحة بمعدل بعثة كل يوم تقريبا في كل دولة علي مدار العام.. ولم تقم دول المنظمة بشطب أية ديون في عام 2006 سوي 3 مليارات من ديون العراق ونحو 11 مليارا من ديون نيجيريا.. وأكدت المنظمة أن تحقيق الوعود التي قطعتها الدول الغنية علي نفسها في قمة اسكتلندا يعني زيادة حجم المعونات المقدمة إلي الفقراء بمعدل 11% سنويا اعتبارا من العام القادم 2008 حتي عام 2010 ولكن لا يوجد ما يوحي بأن الدول الغنية ستفعل ذلك بل ربما كان العكس تماما هو الصحيح خصوصا أن معظم الدول الغنية تواجه عجزا في موازناتها تريد التغلب عليه. وعموما فإن وفاء الدول الغنية بالتزاماتها للبنك الدولي هذا العام 2007 سيكون معيارا مناسبا للحكم علي مدي جديتها في زيادة معوناتها للدول الفقيرة.. ومعروف أن البنك الدولي يخطط لإعادة ملء محفظة ما يقدمه من قروض ميسرة ومعونات خلال السنوات الثلاث 2008/2011 وأن الدول الغنية قد تعهدت هذا العام بمساعدته علي ذلك. وهناك من يري أن الدول الغنية قد لا توفي بالتزاماتها تجاه البنك الدولي خصوصا أنها تختلف مع رئيسه الجديد بسبب حملته علي الفساد وأسلوبه في إدارة البنك.. بل إن "الإيكونوميست" تري أن أفريقيا أيضا قد لا تحصل علي ما وعدت به من معونات إضافية يصل حجمها إلي 25 مليار دولار عام 2010. ومما يقوي مثل هذه الشكوك أن قادة الدول الصناعية الثماني الذين ضمنوا هذه الوعود في قمة اسكتلندا لن يكونوا موجودين في الحكم عام 2010.. فأربعة منهم غادروا الحكم بالفعل واثنان في طريقهما لذلك هذا العام والاثنان الباقيان سيذهبان قبل حلول عام 2010.. وأكثر من ذلك فلو فرض وأوفي الأغنياء بتعهداتهم فإن ذلك قد يتم فجأة في العامين الأخيرين. ومن المفارقات التي تؤثر علي جدوي هذه المعونات أن 65% منها فقط هي التي يتم الوفاء بها في الموعد المتفق عليه مع الدول المتلقية للمعونة.. إلي جانب ذلك فإنه كثيرا ما تحدث زيادة غير منطقية أو نقص غير مبرر في حجم المعونات فدولة مثل زامبيا كان مقررا أن تحصل علي 930 مليون دولار عام 2005 ولكنها لم تحصل إلا علي 696 مليون دولار.. في حين أن فيتنام التي كان مقررا حصولها علي 400 مليون دولار فقط حصلت في العام نفسه علي ملياري دولار وهذا التذبذب يجعل الحكومات المتلقية مغلولة الأيدي ولا يمكنها الاستفادة بالمعونة علي خير وجه خصوصا أن المعونة تأتي أحيانا في صور سلعية وليست نقدا. ويضاف إلي ما تقدم عدم التنسيق وأحيانا التضارب الشديد بين الدول المانحة علي نحو يقلل من جدوي المعونة. وقد أعلنت الدول المانحة في باريس خلال اجتماعها الأخيرة عزمها علي التنسيق فيما بينها بشكل أفضل.. وتعهدت بدعم برنامج الحكومة المتلقية لمحاربة الفقر وعدم فرض برنامج اَخر عليها. وهناك ا قتراح بالاستغناء عن وكالات المعونة وجعل التعامل مباشرا بين الحكومات المانحة والحكومات المتلقية.. وهناك بعض المانحين يفعلون ذلك بالفعل وعلي سبيل المثال فإن بعض الحكومات المتلقية للمعونة سيمكنها في العام المالي القادم استخدام 2.4 مليار دولار من المعونات البريطانية كجزء من موازناتها الرسمية. ومع ذلك فإن بعض المانحين غير متحمسين لهذه الفكرة ربما لأنهم يريدون التغني بأعمالهم الخيرية.. وربما لأنهم لا يثقون بما يكفي في هذا الطرف أو ذاك من الحكومات المتلقية.