ينمو الاقتصاد العالمي بسرعة كبيرة منذ جيل كامل، وتتحرك النقود والسلع والافكار حول العالم بجدية اوسع لم تشهدها منذ قرن من الزمان او يزيد بل هي حرية غير مسبوقة اذا وضعنا في الاعتبار ثورة الاتصالات الحديثة وعودة الصين الي الصعود فلماذا إذن كل هذه الشكاوي والتذمر؟ تقول مجلة "الايكونوميست" ان البعض يري ان عمال الدول الغنية لايحصلون علي حصة عادلة من ثمار هذا التقدم.. فنصيبهم من الدخل القومي يتراجع علي امتداد الخمسة والعشرين عاما الاخيرة، وهذه ظاهرة ملحوظة بصفة اساسية في كل من اوروبا واليابان.. فالنظام العالمي الجديد قد يكون مفيدا فقط للرأسماليين وليس للذين يكدحون بايديهم او عقولهم. وفي نشرته نصف السنوية "وورلد إيكونوميك أوتلوك" يري صندوق النقد الدولي ان التجارة والتكنولوجيا والهجرة شبكت اسواق العمل في بعضها البعض بدرجة مذهلة وجعلت عمال البلدان الغنية لا يعرفون مواقع اقدامهم.. ويقول الصندوق ان المعروض من قوة العمل العالمية زاد بنسبة 400% منذ عام 1980 حتي الان وان ذلك حدث مع تخلي الصين والهند عن الانغلاق ودخولهما عصر الانفتاح الاقتصادي.. ومعظم الوافدين الجدد الي سوق العمل العالمي لا يتجاوز تعليمهم المرحلة الثانوية وان كان المعروض من خريجي الجامعات قد زاد هو الاخر بنسبة 50% وقد ادي هذا الي زيادة المنافسة وبالتالي تراجع نصيب العمال من الدخل القومي. وفي بعض الاحيان كانت المنافسة مباشرة عن طريق زيادة الهجرة الي الدول الغنية فقد زادت نسبة المهاجرين الي اجمالي قوة العمل في بعض البلدان الاوروبية مثل بريطانيا والمانيا وايطاليا زيادة كبيرة وبلغت نسبتهم في امريكا 15% ولكن الاهم من الهجرة هو التجارة فبفضل الصادرات الصينية تضاعفت واردات الدول الغنية من السلع المصنعة في البلدان النامية منذ التسعينات حتي الان.. اضف الي ذلك هجرة بعض شركات الانتاج والخدمات بمصانعها ومكاتبها الي الاسواق الناشئة وان كان صندوق النقد الدولي يري ان نمو التجارة اسرع كثيرا من هجرة شركات الانتاج والخدمات الي الاسواق الناشئة. ومع ذلك فالعولمة ليست هي السبب الوحيد لتراجع نصيب العمال في الدول الغنية من كعكة الدخل القومي وانما التكنولوجيا ايضا تلعب دورا مهما في هذا السياق، بل ان بعض البلدان عبثت في اسواق العمل عندها علي نحو ادي الي تراجع نصيب العمال من الدخل القومي.. وقد قام صندوق النقد الدولي بدراسة وقياس تأثير كل عامل من هذه العوامل علي دخول العمال في 18 بلدا مقسمة الي 4 مجموعات هي البلدان الاوروبية الكبيرة وتشمل فرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا، والبلدان الاوروبية الصغيرة وتشمل 9 دول ثم الدول الانجلوساكسونية وتشمل استراليا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة واخيرا اليابان. وقد وجد الصندوق ان كلا من التكنولوجيا والعولمة أدتا في الدول الثماني عشرة الي تراجع نصيب العمال ولكن تأثير التكنولوجيا كان اكبر نسبيا من تأثير العولمة في هذا الصدد.. وتقول نتائج الدراسة التي اجراها الصندوق ان التغير التكنولوجي كان له اكبر التأثير في كل من أوروبا واليابان في حين كان تأثيره اقل كثيرا من ذلك في الدول الانجلوساكسونية الاربع سالفة الذكر.. وفي امريكا تحديدا بدا واضحا ان استخدام التكنولوجيا ادي الي زيادة وليس خفض نصيب العمال.. ويري الصندوق ان هذا يعكس الريادة الامريكية في دخول عصر تكنولوجيا المعلومات.. فالدولة عندما تبدأ في استخدام تكنولوجيا المعلومات ينخفض نصيب العمال.. ولكن بمرور الوقت يتكيف العمال مع الواقع الجديد ويتعلمون الاستفادة منه فتزيد انتاجيتهم وتزيد بالتالي حصتهم من الدخل. وتقول مجلة "الايكونوميست" نقلا عن دراسة صندوق النقد الدولي ان تأثير عولمة اسواق العمل كان واضحا اكثر في الدول الانجلوساكسونية والدول الاوروبية الصغيرة ومع ذلك فقد كان هناك تفاوت ففي أوروبا كانت هجرة الشركات وهجرة العمالة اوضح منها في الدول الانجلوساكسونية.. اما في اليابان فكان تأثيرهما يكاد ينعدم، وفيما يخص التجارة فقد كان التأثير اوضح لان السلع المصنوعة كثيفة العمالة التي تستوردها البلدان الغنية كانت ذات سعر منخفض وهذا ضغط علي الصناعات المماثلة من ناحية القدرة التنافسية ودفعها الي خفض اجور العمال حتي يمكنها منافسة السلع المستوردة.. وعلي العكس من ذلك فان صادرات الدول الغنية من السلع المصنوعة كثيفة رأس المال والتي ليس لها منافس حقيقي من انتاج الاسواق الناشئة قد اسهمت في موازنة الموقف وادت في بلد مثل اليابان الي زيادة نصيب العمال من الدخل القومي. واخيرا تقول دراسة الصندوق ان العولمة اذا كانت قد خفضت نصيب العمال النسبي من الكعكة فانها ادت الي زيادة حجم الكعكة ككل وهو ما أثر بالزيادة علي نصيب العمال المطلق في بعض الحالات.