شبكة التليفزيون الأمريكية السي إن إن نقلت صورا للمظاهرات المناوئة للحرب الأمريكية علي العراق علي خلفية دخول الحرب عامها الخامس والمظاهرات كانت حاشدة وضخمة امتدت من طوكيو في اليابان إلي لوس انجلوس في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكانت التظاهرة التي شهدتها العاصمة الأسبانية هي الأكبر إذ شارك فيها قربة أربعمائة ألف متظاهر..! ولم يكن خبرا غريبا في أن تكون هناك مظاهرات احتجاجية ضد السياسات الأمريكية في العراق في العواصم الأوروبية ولكن الغريب والذي لفت انتباه شبكة التليفزيون الأمريكية هو أن العواصم العربية خلت تماما في هذه المناسبة من أية تظاهرات احتجاجية وكأن العراق لا علاقة له بالعالم العربي وكأن القوات الأمريكيةالمحتلة للعراق ليست علي مسافة بضعة كيلو مترات قليلة من دول عربية أخري..! ولذلك سارعت ال سي إن إن إلي إجراء استطلاع شمل 2463 شخصا في العالم العربي حول هذا الموضوع وجاء السؤال كالآتي: هل تعتقد أن عدم مشاركة الشعوب العربية في أي تظاهرات أو احتجاجات مناوئة للحرب نابع من: خوفها من الأنظمة، أم عدم اهتمامها، أم تدني مستوي الوعي، أم غير ذلك؟ وقال نحو 68% من المشاركين في الاستطلاع إن الخوف من الأنظمة يأتي في المرتبة الأولي و16% قالوا إن تدني مستوي الوعي يأتي أولا فمستوي الوعي العربي لم يعد كما كان عليه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي عندما كانت الشعوب العربية تمر بفترة استقلال ومد شعبي وقومي..! ولكن ال "سي إن إن" لم تترك نتائج هذا الاستطلاع تمر بدون تعليق فإذا كان صحيحا أنها قضية خوف من الأنظمة أو نقص في الوعي فأين اختفي المثقفون والفنانون عن هذه التظاهرات ولماذا لم يقوموا بدور بارز في قياداتها والحث علي قيامها وأين كانوا في هذه المناسبة؟ والواقع أن ال "سي إن إن" لم تقدم إجابة واضحة عن هذا السؤال واكتفت بدلا من ذلك بالحديث عن فنانين قادوا مسيرات احتجاج في بلدهم مثلما فعلت جين فوندا في حرب فيتنام والنجمة السينمائية سوزان ساراندون التي قادت احتجاجا اطلق عليه "يوم الأم" للتظاهر ضد الحرب علي العراق..! وما طرحته ال "سي إن إن" علي أية حال في سؤال واحد حول موقف الشعوب العربية من الحرب الأمريكية علي العراق والتزامها الصمت هو سؤال مرشح للتكرار والتطابق مع قضايا أخري داخلية وخارجية كان موقف الشارع العربي منها سلبيا للغاية وكان واضحا أنه لا يهتم ولا يكترث لما يجري ويكتفي بالتعليق أو السخرية دون أن يترجم ذلك إلي عمل جماعي من أي نوع. وفي استطلاع ال سي إن إن فإنهم يتساءلون عن سبب محدد لذلك ويعتقدون بصفة خاصة أنه الخوف من الأنظمة كما جاء في المرتبة الأولي وهذا قد يكون صحيحا إلي حد كبير ولكن لا يوجد سبب واحد محدد يمكن أن يكون مقنعا إذ إنها جملة أسباب كثيرة ضربت المواطن العربي في كبريائه وفي تطلعاته فأصابته بالاحباط واليأس فلم يعد مقبلا علي شيء أو متحمسا لقضية من أي نوع لأنه يدرك ببساطة أن الحقيقة غائبة عنه وأن رأيه لن تكون له قيمة أو فائدة..! فهذا الشارع العربي علي سبيل المثل كان منفعلا مع صدام حسين وكان متحفزا للمقاومة وكان في أعماقه سعيدا بروح التحدي التي يظهرها صدام حسين ضد الأمريكان وعلي قناعة بأنه سيصمد وسيقاتل..!. وفوجئ هذا الشارع بالواقع الأليم وهو يشاهد علي شاشات الفضائيات دخول القنوات الأمريكية شوارع بغداد واحتلالها العراق في ساعات وأدرك أنه كان ضحية لكذبة كبيرة شارك فيها الكثير من المثقفين الذين خدعوه بامكانيات صدام والعراق وقدرته علي الصمود..! ولعل هذا يفسر لماذا لم ينفعل الشارع العربي فيما بعد بشدة وهو يستيقظ صبيحة عيد الأضحي المبارك علي خبر اعدام صدام وشنقه بعد محاكمة مشكوك في إجراءاتها وعدالتها، وتعامل هذا الشارع مع نهاية صدام حسين بنوع من التعاطف الإنساني البحت ولكن دون ثورة انفعالية لأن الناس كانت تتمني لو أنه مات أثناء مقاومة الأمريكان ولم يستسلم أو يتم أسره ومحاكمته بهذه الطريقة المهينة..! والنتيجة في ذلك كله أن الشارع العربي لم يعد مهتما كثيرا لا بالتظاهر من أجل العراق ولا من أجل فلسطين ولا حتي من أجل القضايا المحلية لأنه وبكل البساطة أدرك أن تظاهره واحتجاجه لن يغير من الأمر شيئا لأنه في الاساس لا يعرف شيئا..! وهي حالة علي أية حال مؤسفة ومتعلقة ومؤلمة أيضا لأننا لم نعد حتي نتفاعل مع قضايا عالمية تمسنا كما تمس بقية دول العالم مثل البيئة والعولمة والفقر.. والمظاهرات الضخمة الوحيدة التي تخرج للتعبير عن الرأي والاحتفال والفرحة هي مظاهرات مشجعي كرة القدم فقط والخوف أن تنتهي هي أيضا..! [email protected]