للعام العاشر علي التوالي أشارك في اعمال بعثة طرق الابواب التابعة للغرفة الامريكية بالقاهرة.. المشهد من داخل واشنطن مليء بالتفاصيل والحكايات.. بين العراق وإيران وانا نيكول سميث تختلط الاوراق.. لكن يظل للعاصمة الامريكية وهج خاص والمعلومات التي تخرج من اروقتها دائما مهمة. واهمها ان الصورة المصرية هناك ماتزال تحتاج لجهد كبير.. الاصلاحات الاقتصادية واسعة.. لكن الاصلاح السياسي مايزال يسير بسرعة 5 أميال في الساعة علي حد قول صديقي توم فريدمان الكاتب الامريكي الشهير. ويبقي السؤال: هل نهتم أم ندفن رءوسنا في الرمال؟! الي كل من يظنون - وقد كنت معهم - ان امريكا لم تعد تهتم بملف الديمقراطية في مصر احذرهم: هذا غير حقيقي واحيلكم الي تصريحات كونداليزا رايس الاخيرة التي وصفت فيه التعديلات الدستورية بانها "مخيبة للآمال" وبأن التعجيل بموعد الاستفتاء هو مشكلة حقيقية. لكن تصريحات السيدة رايس لم تأت مفاجأة فأي متابع للشأن الامريكي وليس للتصريحات الوردية للسفير الامريكي بالقاهرة او المتحدث باسم الخارجية في واشنطن يعرف الحقيقة. فرغم انشغال الادارة الامريكية بورطة العراق بشكل اساسي، فان قضايا اخري مثل الديمقراطية في المنطقة وبالاخص في مصر لم تختف.. بل تظهر عند الضرورة وعند الحاجة. امريكا ليست الادارة - خاصة الآن - بعدما سيطر الديمقراطيون علي الكونجرس وتصاعدت حدة التوتر بين النواب والادارة وتعالت صيحات الاعلام مطالبة باستعادة الجنود من العراق والفشل المدوي لادارة بوش في مستنقع العراق، امريكا هي خليط بين الادارة والكونجرس والاعلام ومراكز البحث.. واذا كانت الادارة تحتاج لمصر قليلا هذه الايام للمساندة في إيران والعراق وغيرهما، فان الباقي لديه تحفظات. في الكونجرس مثلا.. التقي اعضاء بعثة طرق الابواب بعدد كبير من اعضائه.. لم يتكرر اسم ايمن نور كثيرا هذا العام كما كان الامر العام الماضي- ربما مرة او اثنتين فقط - لكن تم استبداله باسم صاحب المدونات الشهير الشاب عبدالكريم وذلك بعد رفض استئناف حبسه لاربع سنوات بتهمة ازدراء الاديان! كريم قد شهد اسمه مقدمة حملات صحفية واسعة في كبري الصحف الامريكية تحت عنوان "الحرية لكريم".. كريم لا يعرف اسمه الكثير من المصريين.. لكن عدد اكبر من الامريكيين يعرفونه الآن. اختفي ايمن نور، ظهر كريم.. لكن قلب الامور واحد: لديكم انتهاكات في حقوق الانسان، الديمقراطية تسير بخطي بطيئة، من سيأتي بعد مبارك، التعديلات هي تمثيلية من اجل قبول التوريث... الخ. ربما لم تسمع البعثة ذلك بنفس القوة والاصرار الذي كانت تسمعه في الاعوام الماضية.. لكنها قضايا موجودة ستظهر وقت الضرورة وبالذات.. عند التصويت علي المعونة.. وهو قريب. في مراكز البحث الامر ليس افضل كثيرا.. في مركز بروكينجز للبحث مثلا قالت تمارا كوفمان بقسم الابحاث ان التعديلات الدستورية الاخيرة تبدو غامضة بالنسبة لنا، ويبدو لنا ان الامر هو مجرد "مسودة" قدمها الحزب الوطني لاهداف تخصه ويريد فقط وضعها في صيغة قانونية.. وقالت تمارا ان الديمقراطية كانت بالفعل هي الهدف الرئيسي للادارة في الولاية الثانية لبوش، لكن عام 2005 جاء بحماس والاخوان في مصر وانتصارات حزب الله اضافة الي العراق.. فأدي كل ذلك الي تراجع هذا الهدف.. لكن الادارة - كما تضيف - ماتزال ملتزمة بهذا الهدف وان كان يتحرك اكثر بطئا، ويبدو ان الاهتمام في الفترة القادمة سيكون اكثر بالاصلاح المؤسسي وليس بالانتخابات فقط. واضافت تمارا: في مصر وعلي الرغم من وجود بعض الاصلاحات وفي مقدمتها تطور الاعلام الذي وصفته بانه "نقطة مضيئة حقيقية في مصر الان" فان امورا اخري تدعو للقلق وفي مقدمتها مستقبل الخلافة.. من سيأتي بعد مبارك وكيف؟! كما تبقي أمور مثل انتهاكات حقوق الانسان والتضييق علي الجمعيات الاهلية تحتاج لكثير من التطوير. واذا كانت مراكز البحث تبدو هادئة فان وسائل الاعلام لا تعكس ذلك.. فخلال عشرة ايام قضيتها في واشنطن كان هناك خمسة موضوعات سلبية عن مصر في الصحف الاجنبية، فبين مقال للنيويورك تايمز والواشنطن بوست والواشنطن تايمز جاءت الانتقادات حول التعديلات، حبس كريم واعتقالات جماعة كفاية.. كل هذا قبل الاستفتاء وما حدث في مجلس الشعب.. الصورة إذن في واشنطن لم تتغير كثيرا.. ولم نعمل علي تغييرها كثيرا.. هي نفس الصورة لدولة قمعية.. دكتاتورية.. عسكرية.. بها الكثير من المعارضة.