ما يجري في المنطقة الآن يشيع حالة من القلق والتململ.. في العراق وفي لبنان وفي السودان وفي الصومال وقبل ذلك في فلسطين حيث ينتظر الجميع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بعد ان تم الاتفاق بين حماس وفتح عليها في مكة في الثامن من فبراير.. والقلق مازال قائما حول ضرورة رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني الذي فرض عليه منذ عام كامل. جولة "رايس" في المنطقة لم تحرك الأمور بل علي العكس جمدتها بتشددها ومطالبتها بضرورة اعتراف الحكومة الفلسطينيةالجديدة بإسرائيل ونبذ العنف والاعتراف بالاتفاقيات التي أبرمت وهي شروط الرباعية أي أن أمريكا مازالت تقود سيناريو الضغط علي الفلسطينيين دون ممارسة أي ضغط علي اسرائيل التي مازالت تمارس مصادرة الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري عوضا عن سياسة الاغتيال والمداهمة والتدمير والهدم. أمريكا جمدت السلام أمريكا لا تكترث بالتوصل الي تسوية تشكل انصافا للفلسطينيين فكل ما تهتم به هو المصلحة الاسرائيلية وجولات رايس هي من قبيل الضحك علي الذقون وهي تأتي كعنصر تخدير ولإعطاء الانطباع بأن أمريكا علي الخط وأنها تولي القضية الفلسطينية اهتماما بالغا رغم أن العكس هو الصحيح، فأمريكا هي التي جمدت العملية السلمية ويكفي الوعد الذي منحه بوش لشارون في 14 ابريل سنة 2004 وعاد ومنحه لأولمرت وهو الوعد الذي جاء لينسف أية تسوية وأية اتفاقيات معقودة ويقضي علي أي أمل في التفاوض حول الوضع النهائي لأن اسرائيل وبواسطة هذا الوعد صادرت موضوع الانسحاب من حدود 67 واسقطت حق اللاجئين وابقت علي المستوطنات واسقطت حق الفلسطينيين في القدس.. ولهذا فإن رايس لم تتطرق الي مفاوضات المرحلة النهائية إذ لا يعنيها في قليل أو كثير أن تكون هناك مفاوضات أم لا حول المرحلة النهائية بعد ان نسفتها ادارة بوش من خلال مواقعها. محاولة لإجهاض اتفاق مكة كان هدف رايس الأكبر في جولتها الأخيرة في المنطقة هي اجهاض اتفاق مكة الأخير ووضع اسفين بين عباس وهنية لإفشال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والتحريض ضد وحدة الشعب الفلسطيني ولا غرابة أن وجدنا في أعقاب جولتها تجدد الاشتباكات بين عناصر من حماس وفتح.. الأكثر من ذلك أن رايس وعشية قمة القدس زارت الأردن وهناك اجتمعت مع رؤساء أربعة أجهزة مخابرات -مصر والأردن والسعودية والامارات- وهو اجتماع غير مسبوق فسر علي أنه يأتي في إطار التحضير لتصعيد أمريكي ضد الوجود الايراني في العراق ولا علاقة له بالقضية الفلسطينية.. الاجتماع المذكور سلطت عليه الأضواء بمشاركة الامير بندر بن سلطان أمين مجلس الأمن القومي في السعودية وصديق الرئيس بوش والذي ينظر اليه بوصفه المايسترو الذي يدير الصفقات الأمنية في المنطقة ويرسم السياسات التي تتفق وسيناريوهات إدارة بوش. اللجنة الرباعية والاحادية القطبية لم تكن هناك أية قيمة أو جدوي بالنسبة للتحركات السياسية في الساحة مؤخرا وبالتالي عقدت قمة القدس بين رايس وعباس وأولمرت في 19 فبراير ولم تسفر عن أية نتائج تذكر اللهم إلا الفشل الذريع كما ان اجتماع اللجنة الرباعية "امريكا- روسيا- الأممالمتحدة- الاتحاد الأوروبي" الذي استضافته برلين في 21 فبراير لم يتم فيه التوصل الي أي شيء. صحيح أن روسيا تحفظت تجاه الحظر المفروض علي الفلسطينيين ولكن إذا كان للدور الروسي أهمية كبري بيد أن القدرة الروسية مازالت محدودة أمام الولاياتالمتحدة التي باتت تهيمن علي الموقف مؤكدة بذلك أن الاحادية القطبية مازالت تفعل فعلها وأنها تقود الجميع نحو رؤيتها في النهاية. عروض عبثية أمريكا وإسرائيل معا نظرتا إلي اتفاق مكة بوصفه المسمار الأخير في نعش السيناريو المشترك لهما فبموجب اتفاق مكة خضع عباس لحماس وبموجبه تظل هناك امكانية قائمة في رفض حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الاعتراف باسرائيل وبالتالي فإن قمة القدس عقدت خصيصا لتكون منصة لأولمرت كي يطرح من خلالها عروضه العبثية علي الفلسطينيين وهي العروض التي لا قدرة لها علي البقاء. مهمة غير مقدسة لقد أخفقت الولاياتالمتحدة في كسر الجمود الذي يحيط بعملية السلام في المنطقة لا لشيء إلا لأنها لا تريد كسره وعليه كانت تحركات كونداليزا رايس في المنطقة خواء لا فاعلية لها علي الاطلاق فقط أرادت بواسطتها أن تمنح انطباعا زائفا بأن هناك تحركا أمريكيا أما الواقع فيقول عن صدق بأنه تحرك صوري ومظهري لا طائل من ورائه لقد ثبت اليوم عن يقين أن كل ما يهم إدارة بوش في هذه المرحلة هو حشد الدعم السني لإدارة بوش في مواجهة المد الايراني في المنطقة ولهذا لم تكن مهمة رايس في المنطقة مهمة مقدسة وإنما جاءت لأمرين.. تكريس الاحتلال الاسرائيلي ووضع اسفين بين ايران وبين ما اسمته امريكا بمحور الاعتدال العربي والذي يضم مصر والاردن ودول الخليج الست!