كل المنظمات الكبري تنظف غسيلها القذر دون إعلان إلا البنك الدولي الذي يعرض في موقعه علي الانترنت كما تقول مجلة "الإيكونوميست" صورا كاملة لما فيه من فساد وإهدار.. ومن ذلك علي سبيل المثال صورة لطريق ريفي موله البنك الدولي ولكنه جاء في التنفيذ أكثر بنسبة 30% عن اتساعه الأصلي وصور أخري لكوخ مكدس بالأطفال في سن المدرسة لأن فصول التعليم التي يمولها البنك لهم قد استخدمها مسئول محلي من أجل تخزين البصل.. وكل هذا وغيره تعرضه إدارة الاستقامة المؤسسية في موقع البنك علي الانترنت.. وقد أصدرت هذه الإدارة منذ أيام أول تقرير لها منذ عام 2005 عن الاستقامة المؤسسية كشفت فيه عن قائمة مترعة بجرائم الرشوة والتبذير والاحتيال. ويقول المطلعون علي دخائل البنك الدولي إن إدارة الاستقامة المؤسسية تحظي بسمعة مخيفة بين موظفي البنك ولكن نشر مثل هذه الصور علي الانترنت ظاهرة في الواقع تسبب الإجهاد والإحباط.. وعموما فإن التقرير الذي أصدرته الإدارة يغطي عامين حتي 30 يونية 2006 ويتضمن التحقيق في 236 مخالفة تنطوي علي فساد في مشروعات البنك.. وقد ثبتت الاتهامات في 71 حالة فقط وأسقطت في 53 حالة أخري.. وتم خلال العامين المذكورين منع 58 شركة إلي جانب 54 شخصا من التعامل في أموال البنك الدولي.. وتتضمن القائمة السوداء أسماء كبيرة مثل الشركة الفرنسية تاليه كونسلتنج اند إنجنيرنج التي وقعت عليها عقوبة المنع لمدة عام. وإلي جانب الحالات الخارجية فحصت الإدارة أيضا أعمال موظفي البنك ووجهت تهم الفساد والاحتيال إلي 92 من الموظفين ثبتت التهم علي 33 منهم بعضهم غش في الضرائب المقررة والبعض الاَخر تلاعب في التكاليف.. ولايزال المحققون يطاردون سرطان الفساد الذي سبق أن أدانه عام 1996 جيمس وولفنسون رئيس البنك الدولي اَنذاك. ويري المحققون أنهم أصبحوا ملمين بطبيعة الورم الخبيث المنتشر في مختلف إدارات البنك ولكنهم لم يعرفوا بعد حدود انتشاره. وربما كانت جريمة الاحتيال محدودة الانتشار بين موظفي البنك ولكنها علي أية حال شائعة في مشروعاته.. فكثيرون يقدمون عطاءات من أجل بناء طريق أو تسليم معدات والبنك يوفر التمويل ولكن الحكومة المقترضة هي التي تختار الفائز بكل عطاء.. وفي بحث نشر عام 2005 قال عالم السياسة ناثانيل هوبزان التلاعب في العطاءات كان يتم بطريقة روتينية وقد شمل هذا البحث 90 من عقود البنك قيمتها 90 مليون دولار تقريبا ومنتشرة في 20 دولة وذكر البحث أنه في كل هذه العقود كان المسئولون المحليون يحرصون علي تقاضي نسبة 10 15% من قيمة العقد لحسابهم الخاص. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن صبر البنك الدولي قد نفد إزاء ما في مشروعاته من فساد.. ويؤكد بول وولفويتز الرئيس الحالي للبنك أنه مسئول عن كل دولار يتم إنفاقه وضامن لأن يتم الإنفاق في الغرض المخصص له.. ومن المصادفات الغريبة أن الكاميرا التقطت صورة وولفويتز أثناء زيارته أخيرا لأحد المساجد الأثرية في تركيا وظهر جوربه ممزقا وهو يهم بارتداء نعليه في توافق نادر مع الخروق التي صارت تملأ ثوب البنك الدولي. وأيا ما كان الأمر فإن البنك يمول سنويا نحو 45 ألف مشروع وأن مراقبة إنفاق كل سنت أمر مكلف.. ولذلك فإن البنك الدولي يعطي اهتماما خاصا لبعض المشروعات التي قد يؤدي الغش فيها إلي الإضرار بسمعته، ومن ذلك علي سبيل المثال المشروعات التي ينفذها بالتعاون مع هيئة المعونة الأمريكية أو البريطانية، كما تحاول إدارة الاستقامة المؤسسية أن تنكل ببعض المخالفين ليكونوا عبرة لغيرهم، وقد حدث ذلك مع شركة لاهميير إنترناشيونال الألمانية التي منعت من التعامل مع البنك 7 سنوات بسبب رشوتها لمسئول من دولة ليسوتو. والحقيقة أن جهود إدارة الاستقامة المؤسسية تعتبر مجرد جزء من حملة وولفويتز الواسعة ضد الفساد في البنك الدولي ويستطيع هذا الرجل أن يدعي أنه كان أكثر من سابقيه اهتماما بمحاربة الفساد وأن ميزانية إدارة الاستقامة المؤسسية قد زادت في عهده لتصبح 15 مليون دولار سنويا.. ورغم أنه مبلغ صغير فإنه يعتبر ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام ،2000 كذلك فقد اختار وولفويتز رئيسة جديدة للإدارة هي سوزان ريتش فولسوم وهي أكثر حزما في التعامل مع مظاهر الفساد وربما لهذا السبب فإنها لا تتمتع بشعبية بين العاملين.. ورغم أن المخالفات التي كشف عنها النقاب حتي الاَن لا تتضمن سوي مبالغ صغيرة وتخص عملاء صغارا فإن تقرير إدارة الاستقامة المؤسسية أعلن أن هناك مخالفات أكبر وأخطر لاتزال قيد التحقيق وسوف يتم الكشف عنها في الأشهر القادمة وأنها تشمل عددا من كبار المسئولين في البنك الدولي.