لقد أصبح صعود الهند كقوة اقتصادية عالمية أمرا مشهودا بفضل طموحات شركاتها العملاقة وسيرها علي طريق العولمة.. ولكن هذه الشركات ليست هي التي ستحسم مستقبل الهند بل إن هناك نوعا اَخر من الشركات المتوسطة والصغيرة مثل شركة الاتصالات ACME وهي شركة بلغت نسبة أرباحها 33% في عام 2006 عن إيرادات حجمها 300 مليون دولار وحققت نموا بنسبة 3 اَلاف في المائة خلال السنوات الأربع الأخيرة. والمدهش أن مانوج أوبادهياي 32 عاما مؤسس هذه الشركة يضخ معظم أرباح شركته في قسم الأبحاث والتطوير. وتري مجلة "نيوزويك" أن شركة ACME جزء من موجة صاعدة من الشركات الهندية الصغيرة والمتوسطة يؤسسها منظمون واعون بدورهم. وقد شهدت الهند موجتين من هذه الشركات، كانت الموجة الأولي هي التي أقامت صناعة البرمجيات الهندية المتطورة التي تصدر الاَن من إنتاجها بما يزيد علي 15 مليار دولار سنويا.. أما الموجة الثانية الصاعدة حاليا من الشركات المتوسطة والصغيرة فإنها تتركز في الصناعات التحويلية خاصة قطاعات السيارات والأدوية وما شابهها. وهي علي عكس الشركات العملاقة متعددة الأنشطة مثل تاتا شركات لا تملكها عائلات عريقة تستند إلي العلاقات السياسية التي تربطها بقادة البلاد بل هي ملك لمنظمين مستقلين من الأجيال الشابة التي تعمل باستقلال عن البيروقراطية الهندية، وقد بدأ كثير من هذه الشركات المتوسطة والصغيرة عملها كموردين للشركات العملاقة، ومع انتعاش الاقتصاد الهندي ودخول الهند عصر اقتصاد السوق في التسعينيات من القرن الماضي وقفت هذه الشركات علي قدميها واستقلت بنشاطها، ويري سانجاي نايار الرئيس التنفيذي لسيتي جروب في الهند أن الشركات المتوسطة والصغيرة صارت تقود الاقتصاد الهندي بالفعل علي طريق النمو الكبير. ولبيان مدي نجاح هذه الموجة الثانية من الشركات المتوسطة والصغيرة نذكر أنه إذا كان الاقتصاد الهندي ينمو في مجمله بنسبة 8% سنويا فإن قطاع الصناعات التحويلية ينمو بنسبة 12% سنويا، أما هذه الشركات فتنمو بنسبة 15% سنويا ويتميز أصحابها بالطموح الشديد حيث يقول أوبادهياي صاحب شركة ACME إنه يطمح إلي تغيير العالم من حوله بما يقدمه من مبتكرات جديدة. والحقيقة أنه قد يصعب تحديد هذه الموجة الثانية من الشركات المتوسطة والصغيرة علي سبيل الحصر ومع ذلك فإنه يمكن القول بأنها شركات تستخدم عدة مئات من العاملين وتصل إيراداتها السنوية في العادة إلي 50 مليون دولار فأكثر وهي شركات تقف في مقدمة القطاعات التي تعمل فيها وتطمح إلي التوسع عالميا. وهناك قلة من تلك الشركات تعمل فعلا في الخارج وبنجاح معقول. وعلي سبيل المثال فإن شركة إيفرست كانتو سلندر لا يتجاوز عمرها 10 سنوات ولكنها صارت الاَن ثاني أكبر شركة عالمية لصناعة سلندرات الضغط العالي التي تستخدم ضخ الغاز الطبيعي المضغوط، ويري بي كيه فورانا رئيس مجلس إدارتها أنه لا يستطيع أن يتوسع وينمو بأسرع من ذلك لأنه يتحرك حسب حجم الطلب المتاح. ومن الملامح المهمة للشركات الهندية المتوسطة والصغيرة أنها شركات بلا ديون تقريبا فهي تعتمد في تمويلها علي بنوك القطاع الخاص وعلي جمع الأموال من البورصة نتيجة لبيع إصدارات الأسهم وهذا يحدث علي الرغم مما هو معروض عليها من قروض وهناك حاليا قوائم باَلاف الأصناف التي تنتجها هذه الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة من الأقلام وحتي طفايات الحريق وكليشيهات الكاوتشوك التي لا يمكن أن تنتجها سوي شركات صغيرة. والأمر المؤكد أن دخول الهند عصر اقتصاد السوق هو الذي أنقذ الشركات الصغيرة والمتوسطة من مطرقة البيروقراطية الهندية وسمح لها بالنمو والتوسع.. ففي ظل الاقتصاد الموجه كان الإنتاج أحيانا يكاد يعتبر جريمة تعاقب عليها الشركات الخاصة.. وكان التصدير إلي الخارج مشكلة بل سلسلة من المشكلات لا حل لها.. أما الاَن فإن التحديات البيروقراطية قد خفتت لتحل محلها التحديات الاستراتيجية لقدرة كل شركة علي تحقيق القيمة المضافة. وتقول "نيوزويك" إن أمثلة الشركات الناجحة كثيرة ومنها شركة أورينت كرافت لصناعة الكساء وهي شركة بدأها صاحبها برأسمال لم يتجاوز ال 300 دولار منذ نحو أربعة عقود وصارت إيراداتها الاَن 180 مليون دولار سنويا ولها فرع في أمريكا يعمل في صنع وتصميم الملابس لبعض الماركات الأمريكية الشهيرة.. وشركة ريكو لصناعة مكونات السيارات وهي شركة تنتج للسوقين المحلي والعالمي علي حد سواء. ومن المزايا المهمة لهذه الموجة الثانية من الشركات المتوسطة والصغيرة التي تقود النمو في الهند أنها لا تعتمد علي العمالة الرخيصة كقاعدة وحيدة للتميز وإنما هي تسعي إلي استثمار كل ما هو متاح في الهند من مهارات هندسية وعلمية وإدارية من أجل صنع سلع تنافسية قادرة علي الصمود في أسواق الداخل والخارج علي حد سواء.