في حدث أثري غير مسبوق، يتم الكشف لأول مرة عن نقل ألواح مركب خوفو الثانية من موقع ترميمها بالمتحف المصري الكبير إلى متحف مراكب خوفو، إيذانًا ببدء مرحلة إعادة تركيبها أمام الجمهور. وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود الحفاظ على التراث المصري القديم وإتاحته بصورة حية وتفاعلية، تُمكن الزائرين من متابعة تفاصيل أحد أعظم إنجازات الحضارة المصرية القديمة في مجال الملاحة وصناعة السفن. حكاية مركب الشمس الأولى في عام 1954، وأثناء أعمال التنقيب عند قاعدة الهرم الأكبر، عثر الأثري كمال الملاخ على حفرتين ضخمتين مغطاتين بكتل حجرية هائلة، وعندما فُتحت إحداهما، انبعثت رائحة خشب الأرز القديم بعد أربعة آلاف عام من السكون، في داخل الحفرة كانت ألواح مركب الملك خوفو، مفككة بعناية ومصفوفة بطريقة هندسية مذهلة تضم أكثر من ألف قطعة خشبية. استغرق فريق الترميم بقيادة أحمد يوسف مصطفى أكثر من عشر سنوات لإعادة تركيب المركب، التي بلغ طولها 42.3 مترًا، فظهرت في شكلها الأصلي المهيب: مركب ملكي من خشب الأرز اللبناني، استخدمها المصري القديم في رحلة الشمس الأبدية، لترافق الملك خوفو في رحلته إلى السماء بعد الموت. ومنذ عام 1982، عُرضت المركب في متحف خاص بجوار الهرم الأكبر، قبل أن تُنقل في واحدة من أعقد عمليات النقل الأثري في العالم إلى المتحف المصري الكبير عام 2021. ◄ عملية النقل الأعقد في التاريخ كانت عملية نقل مركب خوفو الأولى ملحمة علمية وتقنية بكل المقاييس، فهي أكبر أثر عضوي في العالم بطول يتجاوز 42 مترًا ووزن يقارب 20 طناً، تم نقله قطعة واحدة باستخدام عربة ذكية صُممت خصيصًا في اليابان لتحمل الاهتزازات بدقة متناهية. استغرقت عملية النقل 48 ساعة متواصلة، قطعت فيها المركب مسافة 7.5 كيلومترًا من موقعها الأصلي عند الهرم إلى مقرها الجديد داخل المتحف الكبير، وسط إجراءات تأمين ومتابعة عالمية، وقد جرى خلال العملية مراقبة درجات الحرارة والرطوبة والاهتزازات عبر أجهزة استشعار حساسة لضمان سلامة الأثر الفريد. هذه العملية وضعت مصر في صدارة الدول التي تمتلك خبرة متقدمة في نقل الآثار الضخمة بأمان تام، ووصفتها منظمة اليونسكو بأنها «أحد أعظم إنجازات الحفظ الأثري في القرن الحادي والعشرين». ◄ اكتشاف المركب الثانية.. كنز في قلب الرمال أما مركب خوفو الثانية، فقد اكتُشفت عام 1987 في الحفرة الثانية المجاورة للهرم الأكبر، لكنها ظلت مغلقة لسنوات حتى بدأ مشروع استخراجها رسميًا في عام 2011 بالتعاون بين وزارة السياحة والآثار المصرية والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) ◄ اكتشاف المركب الثانية.. كنز في قلب الرمال أما مركب خوفو الثانية، فقد اكتُشفت عام 1987 في الحفرة الثانية المجاورة للهرم الأكبر، لكنها ظلت مغلقة لسنوات حتى بدأ مشروع استخراجها رسميًا في عام 2011 بالتعاون بين وزارة السياحة والآثار المصرية والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA). عُثر داخل الحفرة على 1650 قطعة خشبية في حالة شديدة الهشاشة نتيجة طول فترة الدفن، ما استدعى إطلاق واحدة من أصعب وأدق عمليات الترميم العضوي في التاريخ، وبأيدٍ مصرية ويابانية مشتركة، تم توثيق كل قطعة بتقنية التصوير ثلاثي الأبعاد، ثم ترميمها بعناية لتعود إلى حالتها الأصلية. اليوم، نُقلت جميع أجزاء المركب إلى مركز الترميم بالمتحف الكبير، حيث يُمكن للزائر مشاهدة المرممين وهم يُعيدون تركيبها قطعةً قطعة أمام عينيه، في عرض تفاعلي مذهل يُحوّل العلم إلى فن، والماضي إلى تجربة حية. تجربة المتحف.. رحلة في قلب النيل والسماء تبدأ رحلة الزائر إلى متحف مراكب خوفو من الخارج، في منطقة تمهيدية تحاكي نهر النيل شريان الحياة والخلود في الحضارة المصرية، هناك، يستقبله تمثال للإله حابي، إله الفيضان، واقفًا عند مجرى مائي رمزي تحيط به عشرة تماثيل للإلهة سخمت، رمز الحماية والقوة، ليشعر الزائر أنه يعبر من عالم الأرض إلى عالم الآلهة. يلي ذلك نموذجٌ مطابق للحفرة الأصلية التي اكتُشفت فيها المراكب، بأبعادها الحقيقية، تُعرض حولها 18 كتلة حجرية أثرية كانت تُغطي الحفرة وتحمل نقوشًا حقيقية وأسماء العمال القدماء الذين شاركوا في البناء، لتمنح الزائر تجربة غامرة للزمن القديم. ◄ داخل المتحف.. قصة الملك والمراكب في الداخل، يبدأ العرض المتحفي بسرد بصري شامل لقصة الملك خوفو، باني الهرم الأكبر، أحد أعظم ملوك العالم القديم، يتعرف الزائر على فلسفة المصريين القدماء في الموت والبعث، ودور المراكب الشمسية في العقيدة المصرية القديمة كوسيلة لانتقال الملك مع إله الشمس "رع" في رحلته اليومية عبر السماء. تُعرض نماذج توضيحية لمراحل اكتشاف المركبين، وأفلام وثائقية توثق رحلة النقل والترميم، إلى جانب أدوات عمال ورش الهرم الأصلية، ونقوش تصوّرهم أثناء نحت الأخشاب وتجميعها قبل أكثر من 4500 عام وفي القاعة الرئيسية، تتربع مركب خوفو الأولى بكامل هيئتها المهيبة، تحيط بها إضاءة تُبرز دفء خشب الأرز الطبيعي وتفاصيل الصنعة الدقيقة، بينما تُعرض بجوارها أجزاء المركب الثانية قيد الترميم في تجربة تفاعلية يستطيع فيها الزائر متابعة مراحل التجميع خطوة بخطوة. ◄ عندما تبحر مراكب خوفو من جديد وكشف الدكتور عيسى زيدان، مدير عام الترميم بالمتحف الكبير، إن مراكب خوفو ليست مجرد آثار، بل صفحات من كتاب الحضارة المصرية، تُظهر عبقرية المصري القديم في فهم الكون والخلود" . فيضيف: "التجربة هنا لا تقتصر على المشاهدة، بل تمتد للتفاعل. الزائر يرى المرممين وهم يعملون، ويتابع كيف يُعاد بناء مركب عمره أكثر من أربعة آلاف سنة أمام عينيه" . ويؤكد أن هذا المشروع يمثل "نموذجًا للتعاون العلمي الدولي الناجح بين مصر واليابان، وللإبداع المصري في حفظ التراث". ◄ مصر تبهر العالم من جديد مع افتتاح المتحف المصري الكبير، تقدم مصر رسالة جديدة إلى الإنسانية مفادها أن الحضارة لا تموت، وأن ما بناه الأجداد لا يزال حيًا في وجدان الأحفاد، سيشاهد العالم غدًا لحظة "كتم الأنفاس" عندما تُفتح أبواب المتحف رسميًا أمام القادة والضيوف وجميع رؤساء من مختلف أنحاء العالم، في عرض بصري مذهل يجمع بين الضوء والتاريخ، بين الحجر والخشب، بين الماضي والمستقبل. وفي قلب هذا الافتتاح، تقف مراكب خوفو كأيقونة الخلود، تروي للأجيال كيف عرف المصري القديم سر الدهر، وكيف صنع من الخشب والرمز طريقه إلى السماء. ◄ من ضوء الشمس إلى ضوء المتحف قبل أكثر من 4500 عام، كانت مراكب خوفو تُبحر على نهر النيل تحمل روح الملك في رحلته إلى الأبدية، واليوم، تعود لتُبحر من جديد، ولكن هذه المرة في ضوء المتحف المصري الكبير، الذي صار مركبًا للحضارة نفسها. فكما حملت المراكب روح الفرعون إلى السماء، يحمل المتحف اليوم روح مصر إلى العالم، وحين تُضاء قاعات العرض غدًا، وتنعكس أشعة الشمس على خشب الأرز القديم، سيشعر الزائرون أن الشمس نفسها عادت لتشرق من قلب الجيزة من مصر التي تبهر العالم من جديد. تبدأ رحلة الزائر إلى متحف مراكب خوفو من الخارج، في منطقة تمهيدية تحاكي نهر النيل شريان الحياة والخلود في الحضارة المصرية، هناك، يستقبله تمثال للإله حابي، إله الفيضان، واقفًا عند مجرى مائي رمزي تحيط به عشرة تماثيل للإلهة سخمت، رمز الحماية والقوة، ليشعر الزائر أنه يعبر من عالم الأرض إلى عالم الآلهة.