في ديسمبر الماضي توقع سيرجيو مارتشيوني رئيس شركة فيات أن الأزمة الاقتصادية العالمية ستكبد صناعة السيارات في مختلف أنحاء العالم خسائر كبيرة ناجمة عن وجود طاقة إنتاج زائدة لا تجد ما يقابلها من الطلب وأن شركات السيارات سوف تضطر إلي تغيير انماط عملها التي لم تعد تصلح لواقع الحال. وقال الرجل أيضا إن هذه الصناعة ستشهد حركة اندماج واسعة تتمخض عن وجود 6 شركات كبري فقط في كل العالم لصناعة السيارات ولكن من الواضح حتي الآن كما تقول مجلة "الايكونوميست" إن توقعات هذا الرجل ليست سوي أضغاث أحلام فالحكومات في كل أركان الأرض هرعت لمساندة شركاتها المتداعية واستطاعت شركة مثل جنرال موتورز الأمريكية أن تصمد بعد أن حصلت علي أكثر من 50 مليار دولار كدعم حكومي من أموال دافعي الضرائب ولم تختف ولا شركة واحدة من شركات السيارات حتي شركة كرايزلر التي كانت علي حافة الافلاس لاتزال قائمة بفضل دعم حكومي يناهز 7 مليارات دولار إلي جانب صفقة تحالفها مع فيات وكذلك شركة أوبل فوكسهول الذراع صانع الخسائر لشركة جنرال موتورز في أوروبا لايزال علي قيد الحياة بفضل دعم من الحكومة الالمانية ناهز 5.4 ملياريورو "5.6 مليار دولار" وحتي الآن فإن أوروبا برغم الأزمة لم تشهد اغلاق ولا مصنع واحد للسيارات خلال الاثني عشر شهرا الأخيرة. وتقول الأرقام إن طاقة الإنتاج الزائدة في أوروبا خلال العام القادم ستكون في حدود 30% أما في أمريكا فإن العرض الزائد سينخفض من 6 ملايين سيارة ليصبح 5.3 مليون سيارة فقط في العام القادم ولا يستبعد أحد أن يتجه جزء كبير من الإنتاج الزائد في أجزاء أخري من العالم إلي السوق الأمريكية عندما تبدأ في التعافي خلال عام 2010 ومع ذلك فإن قادة شركات صناعة السيارات لا يتوقعون زيادة كافية في الطلب علي السيارات في البلدان الغنية ويرون أن مصير نموهم المستقبلي يرقد هناك في الاسواق الناشئة وفي مقدمتها الصين والبرازيل والهند وربما روسيا. والحقيقة أن طاقة الإنتاج الزائدة ليست هي الاختلال الهيكلي الوحيد الذي تعاني منه صناعة السيارات العالمية وإنما هناك اختلال آخر مدمر للأرباح وهو انتقال المستهلكين في كل مكان من اقتناء السيارات الكبيرة إلي اقتناء سيارات أصغر وأقل استهلاكا للوقود. صحيح أن قادة شركات السيارات الذين تجمعوا أخيرا في معرض فرانكفورت الدولي قد أعلنوا أن شركاتهم تجاوزت الاسوأ ولكنهم أكدوا أيضا وجود العديد من المشكلات التي يتعين عليهم حلها فيما هو قادم ومن بين هذه المشكلات احتمال اقلاع الحكومات وخاصة الحكومة الالمانية عن الدعم الذي كانت تقدمه لمشتري السيارات الجديدة مقابل تخريد سياراتهم القديمة وهو ما سيؤدي إلي انخفاض الطلب علي السيارات فيما تبقي من شهور العام الحالي قبل أن يعود للزيادة في العام القادم. والمشكلة الثانية كما تذكر مجلة "الايكونوميست" هي احتمال استمرار هوامش الأرباح في الانخفاض لعدة سنوات قادمة نتيجة للاختلالين الهيكليين السالف الاشارة إليهما وهما طاقة الإنتاج الزائدة وتحول المستهلكين نحو شراء السيارات الصغيرة ذات هوامش الأرباح الأقل وتجدر الاشارة إلي أن التحول نحو شراء السيارات الصغيرة تغذيه عدة أسباب أولها أزمة الائتمان وعدم توافر القروض الميسرة والثاني التحول الديموجرافي الذي تشهده الدول الغنية وزيادة كبار السن الذين يميلون بطبعهم إلي اقتناء السيارات الصغيرة ذات ميزة نسبية جاذبة للمشترين ومن المعروف أن الزيادة في أرباح شركات السيارات تأتي دائما من السيارات الكبيرة وليس السيارات الصغيرة، بل إن السيارات الصغيرة أحيانا ما تخسر وتعوض الشركات خسارتها عن طريق العمل علي زيادة مبيعات السيارات الكبيرة.. وهكذا يمكن القول ان تعافي صناعة السيارات العالمية خلال العام القادم 2010 قد أصبح في حكم المؤكد ولكن عودة الشركات إلي تحقيق مستويات عالية من الأرباح، كما كان يحدث من قبل أمر سيحتاج إلي سنوات أخري قادمة. ويمكن القول أيضا ان شركات السيارات مطالبة بالمسارعة إلي القيام بتغيرات هيكلية لخفض حجم الإنتاج أو بالدقة التخلص من طاقة الإنتاج الزائدة إلي جانب البحث عن وسيلة لصنع سيارات صغيرة ذات هوامش ارباح عالية مع الاستمرار في التقدم علي طريق صنع السيارات صديقة البيئة التي تعمل بالكهرباء بوجه خاص. وربما يستدعي الأمر ايضا الانصياع لتوقعات رئيس فيات المشار إليها في البداية باتجاه الشركات نحو الاندماج من اجل تحقيق المزيد من خفض التكاليف وبالتالي زيادة الارباح وهذه امور قد لا تتحقق كلها في ،2010 وانما تحتاج إلي مزيد من السنوات حتي يمكن ان تتحقق.