لا أظن أن العقل العربي صار متقبلا لهذا الهوان الشديد الخارج من أخبار الاقتتال الفلسطيني، والتهديد بالاقتتال بين اللبنانيين، ومئات القتلي بواسطة الميليشيات في بغداد، والصراع الدائر علي معاني كلمات الدستور في مصر وغضب أهل المعادي والبساتين بالقاهرة من عدم القبض علي من قيل عنه "سفاح المعادي" ونسيان أهل القاهرة المحروسة لحكايات التوربيني. لا أظن أن العقل العربي صار قادرا علي تحمل كل ذلك، ولهذا السبب سألت صديقي الاستاذ الدكتور أحمد عكاشة عن ثقب ابرة أستطيع أن أزرع به التفاؤل والثقة في أن الحياة مازالت تستحق أن نعيشها، فضحك الرجل وقال لي: أنت تملك القدرة علي الاستمتاع بالفنون الرفيعة، يمكنك أن تأخذ إجازة مما لا يعجبك من أخبار الكرة الأرضية لمدة ساعتين أو ثلاثة في اليوم، وأنت قادر دائما علي زيارة معارض الفن التشكيلي فضلا عن أنك أخذت مني بعضا من السي ديهات المخففة للجهاز العصبي والتي تعيد ترتيب النفس وتشرق من خلالها بعض من الشجاعة التي تعين الإنسان علي تحمل تلك الكروب المصروفة له من خلال شاشات التليفزيون. واعترف أني مدير للدكتور أحمد بأنه قبل اقراض العديد من السي ديهات المسجل عليها قطع موسيقية عالمية لعازفين مثل ديفورجاك، ولكنه رفض علي الاطلاق أن اقترض منه السي ديهات المسجل عليها رباعيات الخاتم لفاجنر فهي هدية وصلته من الرائع الجليل د.ثروت عكاشة، ولذلك اضطررت أن اشتريها من الولاياتالمتحدة ودفعت قرابة المائة وستين دولارا ولم أبخل علي نفسي بعشر سي ديهات تحمل ما مقداره تسع عشرة ساعة من الأوبرا الصافية التي رصد لها أستأذنا الجليل ثروت عكاشة جزءاً كبيرا من وقته كي يشرح لنا فاجنر بأكمله، ولا أظن أي أي قارئ للكتاب الذي ألفه د.ثروت بعنوان موسوعة فاجنر بقادر علي أن يقرأ فيه صفحة واحدة ثم يتركه فهو كتاب أجنحة من جمال خلاب. وهكذا استطاع د.أحمد عكاشة أن ينسيني كروب القتل العلني والاهانة اليومية ومن خلال خبرة شقيقه الجليل والعظيم د.ثروت استطعت أن انتصر علي ألا أزحم مخي بحالة الصراخ الأهوج التي تحترفها طلقات قتل النفس بقتل الغير وهو المشهد العربي المتكرر من دار فور إلي بغداد مرورا ببيروت وكأن كلاً من الولاياتالمتحدة وايران يلعبان لعبة العض علي الاصابع بدمنا فضلا عن محاولة انهاء السودان كدولة موحدة من خلال التدخل شبه اليومي في الصراع الدائر هناك. استطيع أن أشكر الدكتور أحمد عكاشة وأن أسجد لله شكرا أن وهبنا شقيقه الجليل والعظيم الذي فتح لنا بالقلب والعقل كيف نعيش كبشر نفهم أنفسنا عبر الفن الرفيع وهو د.ثروت عكاشة. وما وصفه لي د.أحمد لم يكن دعوة للغياب عن العالم ولكن مجرد استراحة من صفعات الاهانة المتتالية للضمير العربي لعل وعسي تستيقظ الارادة العربية فتوقف مسلسل الاهانات المصنوعة بأيدينا ضد أنفسنا.