لا يبدو ان العام الحالي سيكون أفضل حالا من العام المنصرم فيما يخص المشهد السياسي الفلسطيني وربما لم تشهد الساحة الفلسطينية منذ عقود خلت ما مر علي الفلسطينيين من مآس طبعت حياتهم بطابع المعاناة والخوف والفقر وهاهو العام الجديد يطل علينا بشحوب واضح خاصة انه بدأ بالسجال والجدل والحرب الإعلامية بين الرئاسة والحكومة حول صلاحيات القوة التنفيذية التي شكلتها الداخلية الفلسطينية في أواخر العام الماضي والتي باتت تهدد الأمن الفلسطيني ككل علي عكس ما يقال انها شكلت لانضباط الأمن. ورغم ان العام الماضي ودع بكثير من التشاؤم حيث لم تقفل فيه كل الملفات التي فتحت ومازالت ماثلة وقائمة إلا انها رحلت لحساب العام الجديد علي أمل أن تجد لها حلولا أو أن تتواصل مفتوحة لتستمر المعاناة الفلسطينية حسب ما عكسته استطلاعات الرأي الأخيرة عن العام الجديد. فعلي الصعيد السياسي مازالت قضية تحقيق حد أدني من التفاهم السياسي البناء علي قاعدة ما اتفق عليه علي الأقل بما يسمي وثيقة الوفاق الوطني وترجمة ذلك بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو الذهاب الي انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة هي قضية مرحلة من العام الماضي بل وتشكل أهم الملفات السياسية الحالية. أما علي الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فقد سجل مؤشر الفقر اعلي معدل له حيث بلغ عدد الفقراء بحسب تقرير احصائي لجهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني مع نهاية النصف الثاني من العام المنصرم 1.2 مليون شخص وذلك بعد أن كان 3.1 مليون شخص مع نهاية العام الذي سبقه. وبلغت ايرادات السلطة الفلسطينية أدني مستوي لها في العام الماضي حيث بلغت 370 مليون دولار امريكي مقارنة ب290.1 مليون دولار خلال العام الماضي اي بانخفاض بلغ 71%. وقدر رأس المال المهاجر خلال الفترة السابقة باكثر من 2 مليار دولار مع تراجع كبير في حجم الاستثمارات الداخلية والخارجية. أما علي صعيد الفلتان الأمني فقد تميز عام 2006 بالعام الاكثر دموية علي مستوي الضحايا الذين سقطوا بنيران فلسطينية واحتلت الخلافات السياسية الداخلية الواجهة من حيث عمليات اطلاق النار المتبادل وسقوط ضحايا وعمليات الاختطاف المتبادل وحرق الممتلكات لاسيما في ظل اختلاط وظيفة ودور سلاح المقاومة بسلاح الشارع ومحاولات فرض القوة علي الشوارع بين اكبر فصيلين علي الساحة الفلسطينية أو من قبيل انتشار النزعات العائلية والعشائرية للحماية الداخلية كبديل عن سيادة القانون أو حتي الخروج عليه. وسجل العام 2006 سقوط 252 ضحية للفلتان الأمني بينهم 26 طفلا علي حد احصاءات مركز الميزان لحقوق الانسان فيما كان ابرز ملامح هذه الظاهرة ما جري يوم الأحد الأسود في الأول من ديسمبر الماضي حيث سقط ولأول مرة عشرة مواطنين برصاص فلسطيني أثناء تجمع لافراد الأمن أمام أحد البنوك بغزة لتسلم سلفة عن رواتبهم المتأخرة لسبعة شهور. إن محاولة عرض تداخل ملفات العام الماضي مع العام الجديد هي ليست من قبيل جرد حساب تقليدي بقدر ما هي محاولة للتنبيه الي خطورة ماجري في العام المنصرم وما سيكون عليه الوضع بالعام الجديد ما لم يعالج الفلسطينيون أوضاعهم السياسية الداخلية وبالسرعة الممكنة وإلا فان الشعب والقضية الفلسطينية ماضية في طريق التآكل والتشرذم والتراجع والانتقال من قضية تحرر وطني إلي قضية أمنية تعالج علي المستوي الاقليمي والدولي بهذا البعد وكقضية انسانية اغاثية وهو ما عبر عنه قرار اللجنة الرباعية قبل نهاية العام الماضي بتمديد برنامج المساعدات الطارئة.. بالاضافة الي ان بشائر العام الجديد بدأت تتضح اكثر واكثر متمثلة في العودة الي الحروب الاعلامية والسجالات التي تنتهي حول كيفية ضبط الأمور ومن له الحق في ادارة دفة الأمور الرئاسة أم الحكومة ولعل أول استهلال لبدء عام لا يدعو إلي التفاؤل ما يحدث الآن من جدل حول مشروعية القوة التنفيذية التي زرعتها حماس وتحاول تزويدها الي ان وصل العدد 12 الف شخص بعد أن كان 3000 شخص وهو الأمر الذي ينذر بحرب ضروس لن تبقي علي شيء والسؤال اي خيار سيختار الفلسطينيون في عامهم الجديد وهل سيغلبون لغة العقل والحكمة والاحتكام للشعب الذي ضاق ذرعا بكل ما يحدث والعودة لصناديق الاقتراع إذا ما فشلوا كقوي وأحزاب بالوصول الي اتفاق؟ ام انهم سيلجأون الي لغة القوة التي ستذهب بكل قوتهم ووجودهم إلي الجحيم؟!