يصف بن برنانك رئيس بنك الاحتياط ما يحدث في سوق العقارات الأمريكي بأنه عملية "تصحيح ملموسة" في حين يصفه اَخرون بلغة أكثر تشاؤما.. ولكن لا أحد ينكر أن سوق الإسكان الأمريكي يعاني من الاضطراب.. فبعد سنوات عديدة من الزيادة بمعدل مكون من رقمين تباطأت الزيادة في أسعار المساكن بشدة بل ويمكن القول ببعض المقاييس إنها تهبط وتدور المناقشات الواسعة حاليا حول تأثير ذلك خاصة علي المستهلكين.. وهل سيخفض الأمريكيون استهلاكهم تدريجيا أم دفعة واحدة؟ وهل ستكون نسبة التخفيض قليلة أم كبيرة؟ وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن المتفائلين ومن بينهم برنانك يرون أن الصلة بين الثروة العقارية وبين الإنفاق شأنها شأن الصلة بين الإنفاق وأية ثروة أخري مثل الأسهم.. فعندما تصعد أسعار المساكن يشعر الناس بالرخاء وانعكاسا لهذا التأثير يزيد الناس من إنفاقهم.. وعندما تهبط أسعار المساكن فإن إنفاق الناس يقل.. وهناك توافق علي أن انخفاض الثروة بمقدار 100 دولار يؤدي إلي انخفاض في الإنفاق بمقدار 3 5 دولارات في السنة.. وهذا معناه أن هبوط أسعار المساكن سيكون تأثيره علي الإنفاق صغيرا ومتدرجا. ويرد المتشائمون علي هذا المنطق قائلين إن انخفاض أسعار المساكن سيكون له تأثير فوري وأكبر علي الإنفاق من تأثير الانخفاض في الثروة وذلك لسبب بسيط هو أن الأمريكيين يحولون الزيادة في إنفاقهم بالاقتراض مقابل الزيادة في قيمة مساكنهم. وتشير حسابات سبق أن أجراها اَلان جرينسبان الرئيس السابق لبنك الاحتياط الأمريكي وجيمس كيندي الخبير الاقتصادي في نفس البنك إلي أن الأموال التي سحبها الأمريكيون بتأثير ارتفاع أسعار مساكنهم في السنوات الأخيرة كانت هائلة وكانت تمثل أكثر من 10% من الدخل الشخصي لكل مالك منذ عام واحد فقط، وقد قال جرينسبان في حديث أدلي به قبل تقاعده إن كل مالك ينفق نصف هذه الزيادة التي يحصل عليها نتيجة ارتفاع سعر مسكنه وهذا معناه أن إنفاق الأمريكيين سوف ينخفض مع الانخفاض في أسعار المساكن وبسرعة. والحقيقة أن أهمية هذه المناقشة ترجع إلي أن سلوك المستهلكين هو الذي سيقرر مستقبل الاقتصاد الأمريكي وما إذا كان سيقع في الركود أم سيعاني من مجرد تباطؤ في النمو؟ ولسوء الحظ فإنه ليست هناك إيضاحات حاسمة لعلامة الاستفهام تلك.. فالنظرية الاقتصادية تؤيد المتفائلين حيث تقول إن المستهلك الرشيد يضبط إنفاقه طويل الأجل علي ضوء التغير في ثروته وليس علي ضوء سهولة حصوله علي هذه الثروة. ولكن هناك أسباب عديدة تؤكد اختلاف تأثير التغير في ثروة المساكن عن تأثير التغير في الثروة المكونة من أسهم وسندات.. فمنذ عقدين فقط كان الاقتصاديون يرون أن التغير في ثروة المساكن لا تأثير له علي الإنفاق بعكس الأسهم والسندات ولكن الدراسات التالية اكتشفت وجود تأثير للتغير في ثروة المساكن علي الإنفاق وإن كان أقل من تأثير التغير في الثروة المكونة من أسهم وسندات، أما الدراسات الأخيرة فتري عكس ذلك وتعتبر أن التغير في الثروة الإسكانية له تأثير أقوي علي الإنفاق زيادة أو انخفاضا وأن التناسب بينهما تناسب طردي. وتقول دراسة أجراها أخيرا ثلاثة من كبار الباحثين إن الزيادة في ثروة الإسكان بمقدار 100 دولار في أمريكا تزيد الإنفاق بمقدار 9 دولارات أما الزيادة المماثلة في الثروة المكونة من أسهم وسندات فإنها لا تزيد إنفاق المستهلكين إلا بمقدار 4 دولارات فقط.. وتقول دراسة أجرتها مجموعة أخري من الباحثين إن تأثير التغير في ثروة الإسكان علي إنفاق المستهلكين ثلاثة أضعاف تأثير التغير في الثروة المكونة من أوراق مالية. وتذكر دراسة ثالثة أن تأثير التغير في ثروة الإسكان علي الإنفاق في أمريكا وبريطانيا قد زاد خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة وأنه في هذين البلدين بالذات علي عكس البلدان الأخري أعظم من تأثير التغير في ثروة الأوراق المالية.. والسبب في ذلك أن سوق الرهونات العقارية في هذين البلدين أكثر تقدما بحيث يتيح لملاك المساكن توليد السيولة النقدية من أي زيادة في أسعار مساكنهم دون صعوبات وذلك علي سبيل المثال من خلال عمليات إعادة تمويل الرهن العقاري. وهذه الدراسات التي يمكن الاطلاع عليها في موقع مجلة "الإيكونوميست" علي الانترنت تؤكد أن المتفائلين ليسوا علي حق.. ومع ذلك فهناك ما يؤكد أن المتشائمين يبالغون في تشاؤمهم وأن التغيرات في سوق الإسكان الأمريكي لن يكون لها ذلك التأثير السلبي البالغ علي النمو الاقتصادي وأن حدوث تباطؤ في النمو أخيرا ليس معناه أن الاقتصاد الأمريكي يتجه إلي الركود.