تشهد البنوك الأمريكية مرحلة جديدة عكس السنوات الخمس الماضية، فانخفاض أسعار الفائدة ونشاط سوق الرهن العقاري وإقبال المستهلكين الأمريكيين المبذرين علي الاقتراض، كل ذلك جعل الأرباح تتدفق علي هذه البنوك وتقول أرقام الهيئة الفيدرالية للتأمين علي الودائع FDIC إن أرباح البنوك الأمريكية بلغت 135 مليار دولار في عام 2005 وهو العام الخامس علي التوالي الذي تحقق فيه تلك البنوك أرباحا قياسية، وقد حدث ذلك علي الرغم من أن بنك الاحتياط الفيدرالي قام برفع أسعار الفائدة 14 مرة منذ منتصف عام 2004. ومع ذلك تقول مجلة "الإيكونوميست" إن هناك دلائل علي أن السنوات السمان قد ولت.. فبرغم الأرباح شهد العام الماضي أيضا انخفاضا في العائد علي أسهم البنوك من 15% عام 2003 ليصبح 12.5% فقط وذلك حسب أرقام الهيئة الفيدرالية للتأمين علي الودائع.. والسؤال هو هل بدأ ارتفاع أسعار الفائدة يؤتي اَثاره السلبية بالنسبة للبنوك؟! من المؤكد أن زيادة سعر الفائدة قد جعل الاقتراض أقل يسرا.. والبنوك كما نعرف تصنع أرباحها من أخذ الودائع قصيرة الأجل وإقراضها لفترات أطول بأسعار فائدة أعلي للشركات والحكومات والأفراد علي حد سواء.. وفي السنوات الماضية كان الفارق كبيرا بين أسعار الفائدة قصيرة الأجل والأسعار طويلة الأجل وكانت عمليات الإقراض ميسورة. ولكن مع ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل بدأ هذا الفارق يقل.. وأحيانا يتلاشي بشكل كامل.. وتقول الهيئة الفيدرالية للتأمين علي الودائع إن صافي أرباح البنوك الكبري مع الفارق بين سعري الفائدة قصيرة وطويلة الأجل قد انخفض من 4.06% في الربع الأول من عام 2002 ليصبح 3.48% في الربع الثاني من عام 2005 ولايزال مستقرا عند هذا الرقم حتي الاَن.. وعلي سبيل المثال فإن بنك كوميرس بانكورب انخفض هامش ربحه إلي 2.77% في عام 2005 بعد أن كان 4.28% في عام 2004 وهو ما جعل رئيسه فيرنون هيل يعلن أن البنك يمر بأسوأ ظروف لأسعار الفائدة منذ سنوات. والحقيقة أن التأثير السلبي لارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل قد اختلف من بنك إلي اَخر.. ومن المعلوم أن البنوك صغيرها وكبيرها صارت تعتمد في إيراداتها علي ما تحصله من رسوم في المقام الأول ثم علي عائد عملية الإقراض بدرجة أقل وذلك عكس ما كان يحدث منذ نحو عشر سنوات ولكن البنوك الصغيرة تعتمد في إيراداتها علي الإقراض بأكثر مما تعتمد البنوك الكبيرة.. وبالتالي صارت البنوك الصغيرة في خطر بعد تدني أو تلاشي الفارق بين أسعار الفائدة علي الودائع وأسعار الفائدة علي القروض.. وتقول شركة الأبحاث مورننج ستار إن بنك هدسون سيتي بنكورب وهو بنك ادخار صغير في نيوجيرسي يعتمد في 99% من إيراداته علي الفارق بين سعري الفائدة طويلة وقصيرة الأجل، وذلك في حين أن الرسوم تمثل 64% من إيرادات JP مورجان تشيز ونحو 47% من إيرادات سيتي جروب كمجرد أمثلة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن المصرفيين يشعرون بالقلق من تراجع الطلب علي القروض العقارية سواء لشراء مساكن جديدة أو لإعادة تمويل قروض المساكن القديمة خصوصا أن هذا التراجع كان واضحا تماما في الربع الأخير من عام 2005.. وحدوث تباطؤ في سوق الإسكان يمكن أن يضرب أيضا قروض التشييد التي تعد من أسواق القروض الأسرع نموا وهو ما يؤكده ريتشارد براون كبير الاقتصاديين في الهيئة الفيدرالية للتأمين علي القروض. وما يزيد الأمر سوءا تباطؤ قدرة البنوك علي جمع الودائع، ففي السنوات الأولي من هذا العقد كانت ودائع البنوك تنمو بمعدل 13% سنويا ولكن هذا المعدل بدأ يهبط في عام 2003 وصار هبوطه أكثر وضوحا في العامين 2004 و،2005 كما اشتدت المنافسة علي اجتذاب الودائع بين البنوك، والأمر الأخطر أن نسبة التعثر في السداد بدأت تزداد. ولا شك أن استمرار أسعار الفائدة في الارتفاع أو حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي سيزيدان من تعثر الشركات والأفراد في سداد ما عليهم من قروض.. ويكفي لتبين حجم الخطر أن نعرف أن حجم القروض العقارية قد زاد في العامين الأخيرين بنسبة الثلث ليصبح 8.1 تريليون دولار.. ومع ذلك فإن المنافسة بين البنوك علي تقديم القروض سواء قروضا عقارية أو تجارية لاتزال منافسة حادة وهو ما دفع بن برنانك رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي إلي التحذير من مغبة هذا الأمر خصوصا أن شروط الإقراض لاتزال تتسم بمرونة زائدة لا تتناسب مع حجم المخاطر المترتبة علي الارتفاع في أسعار الفائدة.