رصد تقرير التنمية الإنسانية العربية الرابع الذي يصدره برنامج الأممالمتحدة الانمائي هذا العام أوضاع المرأة العربية الذي حمل عنوان "نحو نهوض المرأة في الوطن العربي" العديد من القضايا التي تمثل عائقا امام تنمية أوضاع المرأة العربية. فاستهل التقرير في البداية بعض المفاهيم والقضايا الخلافية التي اصبحت شائعة للمساعدة علي النهوض بأوضاع المرأة العربية مثل قضية التنمية من "الداخل أم من الخارج"، والتي يدعو التقرير فيها إلي ان يبقي بنهوض النساء في الفكر والعمل سويا محورا أساسيا لمشروع عربي لنهضة انسانية، فقدم المرأة في منظور مكافحة الاستبداد في الداخل والاستباحة من الخارج كليهما هو جزء لا يتجزأ من صرح نهضة تحقق الحرية للعرب جميعا، ثم انتقل التقرير بعد ذلك إلي وصف حال المرأة في الوطن العربي في عدة قضايا بالصحة، والتعليم، والنشاط الاقتصادي، والمجال السياسي،، والبني الثقافية، والبنية المجتمعية، والبنية القانونية، والمجتمع المدني ودوره في قضايا المرأة، بالإضافة إلي ان التقرير قدم عددا من الإنجازات البارزة للنساء العربيات منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتي الآن. وعلي المستوي الاقتصادي أشار التقرير إلي ان مشاركة المرأة العربية في الاقتصاد هي الأضعف بين كل نساء العالم وان نسبة البطالة لدي النساء العرب أعلي منها في صفوف الرجال في أغلب بلدان المنطقة بنسبة تتراوح بين الضعفين وخمسة أضعاف. كما انتقد التقرير المشاركة السياسية للمرأة العربية معتبرا انها "تجميلية" لجهة كونها لا تتمتع بسلطة فعلية في اتخاذ القرار. وأشار إلي ان الفترة الأخيرة شهدت دخول النساء إلي الحكومات العربية في ظل ضغط غربي علي الأنظمة العربية لتحسين أدائها في المجال الحقوقي إلا ان النسبة العامة للحضور النسائي في البرلمانات لا تزيد علي 10% في الدول العربية وهي أدني نسبة للنساء البرلمانيات في العالم. أما في مجال التعليم اظهر التقرير ان أقل من 80% من البنات يرتدن مدرسة ثانوية في كل الدول العربية عدا أربعة بلدان هي البحرين وقطر والأردن والأراضي الفلسطينية وتمثل الأمية نصف النساء العربيات في مقابل الثلث بين الرجال. في مجال الصحة تعاني النساء في البلدان العربية وبخاصة الأقل نموا بدرجة عالية من مخاطر المرض والوفاة المتصلة بوظائف الحمل والإنجاب وتصل نسبة وفيات الأمهات في المتوسط إلي 270 وفاة لكل مائة ألف حالة. وفي الشق القانوني يري التقرير انه رغم تطور بعض الدساتير لحماية حقوق المرأة إلا ان العديد من هذه الدساتير تنطوي علي تمييز ضد المرأة ويعتبر التقرير ان القوانين لا تنص علي حقوق المرأة بشكل كاف باعتبار ان الهيئات القضائية التي تتولي تطبيق هذه القوانين غالبا ما تعتمد مقاربة سلبية تجاه النساء. وفي النهاية يري التقرير ان الدين الإسلامي ليس مسئولا عن هذا الوضع الذي رده إلي النزعات القبلية والاحتلال الأجنبي والإرهاب والهيمنة علي المجتمعات من قبل قوي سياسية محافظة تحمي الثقافات والقيم الذكورية. وفي ردود أفعال حول التقرير تري الدكتورة هدي زكريا استاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب جامعة الزقازيق حول الوضع السياسي للمرأة ان التقرير رصد وضعا حقيقيا لا يحتاج إلي استخدام المناظير لاكتشافه وإنما يمكن رؤيته بالعين المجردة. ففي آسيا نري المرأة تدخل المعارك وتصل إلي القمم السياسية وترأس السلطات التنفيذية. أما بالنسبة للعالم العربي هناك حركة لارضاء جماهير النساء وحتي دخولهن للمجالس الشعبية أو البرلمانية لم يحقق مشاركة فعلية للمرأة. وترجع د.هدي زكريا نشاط الحركات النسائية في بدايات الخمسينيات الي مواكبتها للمناخ السياسي السائد في ذلك الوقت الذي عايش روح القومية العربية والذي أطلق شعلتها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتعطي مثلا بأغنية شادية التي اندثرت ولم يبق منها غير اللحن "يا بنت بلدي قومي جاهدي واي الرجالة" فالإعلام الذي كان موجها في ذلك المناخ السياسي من القيادات والسلطة الحاكمة نحو قضية قومية تغير دوره وبالتالي انتهي الاهتمام بمثل هذه الدعوات التي تضمنتها الأغنية. ونجد هذه الردة تظهر في أفكار وسلوكيات القيادات السياسية ثم ينعكس علي النساء وهن الأكثر تأثرا. وترجع تلك الردة الي تقسيم العمل الدولي وظهور البترول في دول الشرق ونكسة الفكرة القومية وبالتالي خبوء افكار التحرر وكل هذا المناخ ادي الي ان دول الجنوب تقبل ان ترسم خرائطها الدول الغربية. وحول الشق القانوني لا يتفق المستشار ماجد الشربيني عضو المجلس القومي للمرأة مع ما أثاره التقرير في الحديث عن مصر فالدستور المصري يؤكد علي المساواة ويعطي للمرأة جميع حقوقها كمواطنة اما من ناحية التشريعات فتحتوي علي جزء كبير ايجابي علي سبيل المثال قانون العمل المصري ويأتي هذا انطلاقا من حرص المشرع المصري علي منح المرأة المصرية هذا التميز الايجابي ومحاولة تمكين المرأة مجتمعيا في ظل الظروف الاجتماعية الموروثة التي تحد وتعوق هذا التمكين. وهو ما يتفق مع التشريعات الاخري التي ترسخ فكرة التميز الايجابي المؤقت او المرحلي لمساعدة المرأة علي القيام بدورها. وعن المصاعب التي يمكن ان تواجهها المرأة في النشاط الاقتصادي تري نائلة علوبة ان قيمنا المجتمعية والدينية تعطي الحق للرجل في أن يأخذ فرصة أكبر في العمل لانه يقع عليه المسئولية الاكبر داخل الاسرة. ومن الناحية التجارية فهي لا تري في مصر عائقا للعمل من جانب التشريعات في المقابل قد نري تلك التشريعات التمييزية في بلاد غربية وفي بعض البلدان الغربية تأخذ المرأة نصف مرتب الرجل مثلا وهو ما لا نجده في مصر. وتري ان البلاد العربية التي ليس فيها حرية حركة للمرأة أصبحت محدودة ولا تمثل غالبية الوطن العربي. ولكن المسئوليات مثل تربية الأولاد ومراعاة شئون المنزل هي التي تمثل عبئا علي المرأة في اداء اعمالها ولذلك نطالب بمزيد من التشريعات في الوطن العربي التي تساعد المرأة علي القيام بدورها كأم وكزوجة وكسيدة عاملة.