لنفحص معا ملف حقوق الإنسان الذي صدع به الأمريكيون وأبواقهم ادمغتنا فإذا به ايضا خدعة كبيرة كشفتها احداث ما بعد 11 سبتمبر بداية مما لاقاه العرب والمسلمون بوجه عام من عنت وعراقيل ومطاردات في مختلف مناحي الحياة في الولاياتالمتحدة لم يسلم منها حتي المواطنون الأمريكيون من المسلمين او ذوي الأصول العربية ومرورا بالممارسات الوحشية التي اتبعت مع المعتقلين سواء في افغانستان او العراق او جوانتانامو الرهيب التي لم يعد احد يشك في منافاتها لجميع انواع حقوق الكائنات الحية وليس الإنسان فحسب وليس انتهاء بالقانون الذي وقعه الرئيس الأمريكي جورج بوش في السابع عشر من اكتوبر الفائت والذي يتيح اللجوء الي وسائل قسرية وعدائية في الاستجواب ومحاكمة المشتبه بتورطهم في اعمال ارهابية امام محاكم عسكرية واثار توقيع هذا القانون استياء منظمات الدفاع عن حقوق الانسان لانه يكرس برنامج الاستجواب السري الذي تقوم به الاستخبارات الامريكية ويجيز اساليب تؤدي الي التعذيب ويقر القانون الاستجوابات التي اجريت في سجون سرية اثار كشفها استياء كبيرا ورفضت الادارة الامريكية التعليق علي الوسائل المستخدمة فيها فيما شددت الصحافة علي ان السجناء كانوا علي شفير الموت او خفضت حرارة اجسامهم ورغم انه من المفترض ان القانون يحمي السجناء من الانتهاكات الفظيعة لكنه يمنح بوش سلطة تفسير القواعد الدولية حول كيفية معاملتهم كذلك يحرم السجناء حق المراجعة حول ظروف اعتقالهم. وبعد بضعة اسابيع من اعلان نقل 14 من ابرز المتهمين بالارهاب اثر احتجازهم سرا طوال اعوام الي معتقل جوانتانامو قال بوش ان هؤلاء قد يحاكمون امام محاكم عسكرية بفضل القانون الجديد علما بانه ممنوع عليهم الاستعانة بمحامين ورغم ان المحكمة العليا اعتبرت في يونية ان هذه المحاكم غير دستورية لانها لا تستند الي قانون صادر من الكونجرس اكد بوش ان المحاكم المذكورة "قانونية وسليمة وضرورية" وتظاهر نحو 200 شخص امام البيت الابيض لحظة توقيع النص الذي اعتبروا انه يشكل عارا لأمريكا والقي القبض علي نحو 15 من هؤلاء دون ادني التفات لحق الانسان في التظاهر والتعبير عن الرأي!! ملايين تحت خط الفقر وإذا نظرنا الي مستوي آخر من مستويات حقوق الانسان وبحثنا فيما يأمله المواطن الأمريكي كأي مواطن في العالم من نظام للحكم يوفر له ولأسرته الحياة الكريمة بالفعل سنجد ارتفاعا في معدل البطالة الأمريكي ناهز 6% من عدد القادرين علي العمل وهاهو مكتب الاحصاء الامريكي يعلن في اغسطس الماضي ان واحدا من بين كل ثمانية امريكيين وواحدا من بين كل اربعة من السود عاشوا تحت خط الفقر العام الماضي واوضح المكتب انه بصفة عامة فان قرابة 37 مليون امريكي عاشوا تحت خط الفقر فضلا عن عشرات الملايين من الامريكيين المشردين بلا مأوي سوي أرصفة شوارع الاحياء الفقيرة الامريكية ونحو 40 مليونا لا تشملهم مظلة التأمين الصحي بل ان الائتلاف الوطني للمشردين وهو منظمة خيرية اهلية امريكية نشر احصائيات مؤخرا تفيد بان اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص من عدد الامريكيين يعيشون في الشوارع وتموت منهم اعدادا كبيرة بسبب تعرضهم لتقلبات احوال الطقس وسوء التغذية وبينهم بعض المحاربين القدامي في فيتنام ولا شك انه سينضم اليهم اعداد كبيرة من مخلفات الحروب الاستعمارية الحالية كما اكدت جمعيات الدفاع عن المشردين ان الوضع يميل الي مزيد من التدهور بسبب الاقتطاعات من الموازنة في السنوات الاخيرة ومعظمها يذهب لتمويل الطموحات الاستعمارية للطبقة المسيطرة علي الحكم وقد بدأ الامريكيون يربطون بين الحرب في العراق وبين مهزلة "الأمن الداخلي" والهجوم علي ميزانية الخدمات الاجتماعية والتسهيلات المالية المقدمة للاغنياء وفي برنامج تليفزيوني علي قناة "العالم" يقول مايكل ستوبس المدير التنفيذي للائتلاف الوطني للمشردين ان في واشنطن وحدها 37% من الاطفال المشردين من دون والدين مشيرا الي تداعيات ويلفت الائتلاف النظر الي ان الحكومة الفدرالية انفقت مليارا ونصف المليار فقط علي ظاهرة الفقر والتشرد بينما تنفق خمسة مليارات من الدولارات علي الحرب في "دول اخري" علي حد قول ستوبس الذي يقول ايضا نحن الآن لدينا الآلاف من اللاجئين في مآوي مؤقتة جراء اعصار كاترينا سيخرجون منها قريبا لينضموا طبعا الي صفوف المشردين ورغم انه من السائد لدي الناس ان الفقر قضية يتبناها الديمقراطيون منذ أعلن الرئيس ليندون جونسون "الحرب علي الفقر" في عام 1964 غير ان بعض المراقبين يري ان الديمقراطيين يرون مخاطر في الترويج لتلك القضية خشية ان يصوروا باعتبارهم حكومة كثيرة الانفاق وحذر الناشط الأمريكي في مجال الحقوق المدنية جيسي جاكسون من ان الديمقراطيين تخلوا عن قضايا العدالة الاجتماعية من اجل الفوز في الانتخابات وفي حديث لوكالة رويترز يرصد جيم واليس رئيس مؤسسة سوجورنارز المسيحية التي تؤمن بالتجديد الروحي والعدالة الاجتماعية ان ما يجعل الأمر صعبا هو ان الحق الديني هيمن علي جدول الاعمال من اجل الحصول علي اصوات الناخبين المسيحيين الذين يروجون لمعارضة الاجهاض وزواج المثليين في الوقت الذي يتم فيه شطب قضية الفقر من جدول الاعمال واستشهد واليس ببحث اجراه مؤخرا مركز القيم الامريكية في الحياة العامة والذي اشار الي ان 85% من الامريكيين يقولون ان الفقر والقدرة علي الحصول علي الرعاية الصحية يأتيان علي رأس القضايا المهمة قبل الاجهاض وزواج المثليين. فأي ديمقراطية اذاً؟ وأي حريات؟ واي حقوق للإنسان يتحدثون عنها ويريدون تصديرها لنا؟ إذا كان حق الاقتراع وصندوق الانتخابات محكومين بقوانين تضمن تداولا صوريا للسلطة بين المعبرين عن طبقة واحدة رغم الاختلافات الثانوية التي بين الحزبين المحتكرين للسلطة واذا كان الملايين من المواطنين لا يتمتعون بحق المأوي او العمل او الحياة الكريمة.