.. وكأنه قد كتب علينا أن نعيش ونري عصر المهازل الكبري في حياتنا.. ففي المنطقة العربية وعلي مدي أكثر من خمسين عاما مضت، تعرضنا لظلم لم يتعرض له أي من شعوب العالم..! خرج الاستعمار الخارجي ليحل محله استعمار داخلي واستغلال للثروات.. إلي طغيان الحكام.. وآخر المطاف عشنا وشفنا المهزلة الكبري وهي الحكم بالإعدام علي رئيس عربي ومهما كانت تصرفاته الظالمة، إلا أن محاكمته علي هذا النحو، أمر لا يصدقه عقل..! وإذا كانت الولاياتالمتحدة تعتمد في منطقها علي "السفسطة" للتغطية علي حماقة احتلالها للعراق والواقع يؤكد ان العراق صارت تحت الاحتلال العسكري وباعتراف الرئيس الأمريكي نفسه، فقد أكد بنفسه ذات مرة أن العراق صار محتلا، وأنه لو حدث وتم احتلال أمريكا مثلما احتل العراق، لكانت مقاومة المحتل واجبا وطنيا علي كل أبناء الشعب الأمريكي..! ومبدأ "السفسطة" بدأ بمهزلة "التحرير" التي قالت عنها وسائل الإعلام الأمريكية عندما قامت أمريكا باحتلال العراق ووصفته بأنه "تحرير" للعراق من "الدكتاتورية".. وأطلقوا وصف "العراق الجديد" ولم نشاهد هذا الجديد سوي مشاهد القتل اليومي والدمار واحتمالات تقسيم العراق..! واستمرت "السفسطة" مع مهزلة أخري حيث تحاول الدعاية الأمريكية اتهامها للمقاومة العراقية الشريفة والمشروعة، وكأنها "أعمال إرهابية" يرتكبها مجرمون وقتلة لمجرد تعطشهم للقتل والدم.. وبمرور الأيام، ظهرت حقيقة هذه الأكذوبة حيث يعجز أقوي جيش في العالم عن مواجهة ضربات المقاومين ويدرك بأنها حرب خاسرة باعتراف الرئيس الأمريكي نفسه الذي أقر بعد عناد ومكابرة بأن حرب فيتنام كانت تعد "نزهة" بالمقارنة بما يحدث في العراق علي أيدي المقاومة العراقية..! كما اعترف الرجل المتغطرس، رامسفيلد الذي اضطر أخيرا إلي التخلي عن مكابرته واعترافه باستحالة تحقيق النصر بالقوة العسكرية ثم خرج أخيرا من وزارة الدفاع يجر أذيال الخيبة!! إن هذه "السفسطة" استمرت أيضا مع مهزلة محاكمة الرئيس الأسير صدام حسين، حيث قدمت وسائل الإعلام الأمريكية الأمر وكأنه محاكمة عادلة، وهي في واقع الأمر محاكمة سياسية تجري بأمر من القوات الأمريكية الغازية وتفتقر إلي أبسط الأسس الشرعية وعبارة عن مسرحية سخيفة تأليفا وتمثيلا واخراجا.. وتدعي وسائل الإعلام أن المحاكمة تدل علي ما يسمي "بالعراق الجديد" الذي تقوم فيه المحاكمات "العادلة"..! وكيف تكون محاكمة عادلة مع وجود ضباط وخبراء أمريكان أداروا المسرحية المهزلة من بدايتها إلي نهايتها.. وكانت محامية الرئيس الأسير "بشري الخليل" قد أعلنت عن ذلك في إحدي الجلسات وبعدها أمر القاضي باخراجها من القاعة. إن المحاكمة لم توفر حقوق الدفاع حيث تجاهل القاضي منح فرصة أخيرة للدفاع للترافع وتقديم الطعون في الشهادات المزورة والوقائع المزيفة التي قدمت وهي طعون ظل قاضي المهزلة يرجئها بقوله "سأعطيك المجال" وهو ما لم يحدث لا مع الدفاع ولا مع الرئيس الأسير ومعاونيه.. وقد رأينا بأنهم قادرون علي الدفاع عن أنفسهم وإظهار براءتهم لو أنهم منحوا الفرصة كاملة، وعلاوة علي ذلك، فإن الإعلام الأمريكي الذي يحقد علينا كان يصف زورا وبهتانا قاضي الأنفال أصدر حكمه علي الرئيس الأسير بالإعدام ودون خجل بأنها محاكمة عادلة وهم الذين غيروا مصير دولة إلي ورقة في عملية انتخاب أعضاء الكونجرس ومع ذلك فاز الديمقراطيون الذين يطالبون بالانسحاب من العراق..! واستكمالا للمسرحية.. وتكملة لسياسة "السفسطة"، اتضحت المهزلة ووصلت إلي نهايتها عندما ظهر الرئيس بوش ليؤكد أن محاكمة صدام حسين كانت شفافة وبأن القضاء العراقي يتمتع بالاستقلالية..! هكذا ! إن الرئيس بوش نسي أن يقول لنا كيف يكون القضاء العراقي مستقلاً، والعراق كله يقع تحت الاحتلال؟! وكيف يرتكب مثل هذا الخطأ الفظيع وقوله بأن العراق مستقل وبه قضاء مستقل!! ونسي في غمرة ذلك اعترافه السابق بأن العراق صار محتلا.. وتم النصر للقوات الأمريكية. يبدو أن الموضوع كله عبارة عن نوع جديد من أنواع "السفسطة" إلي أن تنتهي المهزلة الكبري..!