تشير كل الشواهد إلي ان زيارة الرئيس حسني مبارك الحالية الي موسكو (1/2 سبتمبر) تتسم باهمية كبيرة والي انها ستعطي دفعة ملموسة للعلاقات المتنامية بسرعة واضحة بين البلدين خلال السنوات الاخيرة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والفنية.. والزيارة هي الثالثة التي يقوم بها الرئيس مبارك الي روسيا بعد سنتين من زيارته الاخيرة (نوفمبر 2004). وكانت الزيارة الاولي قد تمت في ابريل عام 1997، بينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد زار مصر في ابريل من العام الماضي 2005. ويعكس هذا الايقاع المتسارع للقاءات علي مستوي القمة، مدي اهتمام كل من موسكو والقاهرة بتطوير العلاقات فيما بينهما.. كما يعكس التقدم الفعلي الذي تحققه هذه العلاقات خاصة في المجال الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي.. وهو تقدم يعيد الي الذاكرة الثمار الكبيرة للعلاقات بين البلدين في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وان كانت ظروف هذه العلاقات قد تغيرت بصورة شاملة علي المستويات المحلية والاقليمية والدولية. تأتي الزيارة في توقيت مناسب من اكثر من زاوية فالواضح للعيان ان روسيا تقوم خلال الاعوام الاخيرة "وخاصة في عهد بوتين" بمراجعة شاملة لسياستها الخارجية وموقعها في "النظام العالمي الجديد" وموقفها تجاه السياسات الامريكية الهادفة الي فرض الهيمنة علي العالم. فبعد سنوات فقدان التوازن والاتجاه وتبعية ادارة يلتسين شبه الكاملة للغرب، شهدت السنوات الاخيرة نزوعا متزايدا نحو الاستقلال للسياسة الخارجية الروسية.. ان لم نقل انها شهدت نوعا من المناوأة للسياسة الأمريكية في حالات عديدة. مواقف إيجابية وفي اطار هذه النزعة الاستقلالية تبدي الدبلوماسية الروسية نشاطا كبيرا تجاه الشرق الاوسط وقضاياه في الشهور والاعوام الاخيرة.. ويعكس هذا النشاط اهتماما روسيا باستعادة دورها في المنطقة.. وهو دور ينطلق من مواقف اكثر ايجابية وتوازنا تجاه الحقوق والقضايا العربية.. واذا كانت هذه المواقف لا تتطابق مع المواقف العربية، الا انها تظل افضل بكثير جدا من المواقف الامريكية العدوانية تجاه شعوبنا وقضاياها.. تلك المواقف المتطابقة مع المواقف الاسرائيلية. ويمكن في هذا الصدد الإشارة مثلا الي دعوة موسكو لوفد من حركة "حماس" لزيارتها انطلاقا من احترامها للاختيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني. كما يمكن ان نشير الي تسليح روسيا للجيش السوري، الامر الذي نجح طوال السنوات الماضية في منع اسرائيل من ضرب سوريا وفرض تسوية مذلة عليها.. وقد أعلنت روسيا رفضها للعدوان الاسرائيلي الاخير علي لبنان، وكذلك لاتخاذ القرار (1701) الدولي ذريعة لتصفية حزب الله.. كما رفضت موسكو في حينه اسباغ الشرعية الدولية علي الغزو الامريكي للعراق، ولا تكف عن المطالبة بوضع جدول زمني عاجل للانسحاب الامريكي من هذا البلد العربي الشقيق. وتدعو موسكو لاخلاء منطقة الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل دون استثناء اسرائيل من هذه الدعوة الامر الذي يتجاوب مع المطلب العربي في هذا الصدد.. والامثلة كثيرة. اقتصاد ناهض وقد ساعد علي تعزيز هذه النزعة الاستقلالية لسياسة موسكو الخارجية أن الاقتصاد الروسي بدأ ينتعش بصورة متزايدة خلال الاعوام الاخيرة، بعد الانهيار الذي شهده في السنوات التالية لانهيار الاتحاد السوفيتي ويحقق الناتج المحلي الاجمالي لروسيا نحو 7% سنويا خلال الاعوام القليلة الماضية، مستفيدا من سياسة اقتصادية اكثر عقلانية ورشدا، وكذلك من ارتفاع اسعار البترول والعائدات الضخمة التي تحققها الصادرات الروسية من البترول والغاز (نحو 3.5 مليون برميل يوميا تضعها في الموقع الثاني بعد السعودية كأكبر مصدر للبترول) وبلغ الناتج المحلي الاجمالي الروسي نحو (600 مليار دولار) عام 2005. كما بدأت تتبلور طبقة جديدة من رجال الاعمال في القطاع الخاص ومن المديرين الناجحين في شركات قطاع الدولة العملاقة.. وتسعي رؤوس الاموال الروسية لايجاد اسواق للاستثمار في الخارج سواء في مجال التنقيب عن البترول والغاز ومد خطوط الانابيب او في مجال تصدير وتوطين صناعات تملك فيها ميزات تنافسية كالسيارات والشاحنات والجرارات ومعدات الحفر والتنقيب وغيرها من المعدات الثقيلة.. إلخ.