تحقيق: محمود مقلد - مني البديوي منذ عهد الفراعنة والمجتمع المصري يعاني من داء "الشطب والالغاء" فكل مسئول جديد يبدأ عهده من "أول السطر" لاغياً قرارات سابقيه، غير مدرك لأهمية فعل التراكم والاثراء، وهذه العقلية الالغائية لا ينتج عنها سوي قرارات تتسم بالعشوائية والتخبط يدفع ثمنها المواطن الذي تصدر القرارات باسمه. وهذه العشوائية تمثل في جانب منها عائقاً كبيراً في وجه الاقتصاد والتنمية لأن القرارات الذي يسمح باستيراد كذا أو تصدير كذا قد تعقبه بعد ايام قلائل قرار يلغيه وهو الأمر الذي يكون له تأثير سلبي علي مجمل الحياة الاقتصادية واذا استعرضنا القرارات غير المدروسة سنجد علي رأسها القرار المفاجئ باغلاق معبر شلاتين بين مصر والسودان وما ترتب عليه من خسائر ضخمة بها بلغت ملايين الجنيهات لمصدري المنتجات الغذائية وكان ذلك منذ بضعة شهور. تضارب القرارات بين الوزارات هو ما أتضح جلياً في مشكلة استيراد بعض المواد الغذائية التي واجهت صعوبة أيضا منذ بضعة شهور عند دخولها ميناء الاسكندرية بسبب اصدار وزارة الصحة لقرارات واشتراكات معينة مختلفة عما أصدرته وزارة التجارة والصناعة. مؤخرا صدر قرار بإلغاء وزارة التخطيط وإنشاء المجلس الأعلي للتخطيط وكذلك انشاء وزارة التنمية الاقتصادية علي الرغم من أن الدولة قد ألغت من قبل وزارتي الاقتصاد والادارة المحلية. * قرار وزير المالية بتحويل صرف المعاشات من مكاتب البريد بمنطقة السيدة زينب إلي مصلحة الخزانة العامة وهو ما أثار ضجة أدت إلي تراجع الحكومة. * قرار إقالة رئيس هيئة السكك الحديدية عقب حادث تصام القطارين بقليوب ومع ذلك استمر مسلسل حوادث القطارات لأن المشكلة كانت في السكك الحديدية وليست رئيس الهيئة. * قرار إقامة جراج رمسيس ثم هدم الطابقين العلويين منه وهو ما كلف الدولة ملايين الجنيهات. * قرار محافظ القاهرة بازالة جميع المطبات في الطرق التي كلفت المحافظة ملايين الجنيهات. * قرار زيادة أسعار تذاكر المترو والسكك الحديد برغم تأكيدات الوزير بعدم رفع الأسعار ومع ذلك الخدمة مازالت سيئة ولم تتغير. سلبية وايجابية الدكتورة نوال التطاوي وزيرة الاقتصاد الأسبق تري أن أي تحول لابد أن تصاحبه تغييرات كبيرة بعضها سلبي وبعضها ايجابي فالاصلاح الذي شهده الاقتصاد المصري بداية من التسعينيات كانت تلزمة اتخاذ حزمة من الاجراءات والقرارات السريعة لتحويل الاقتصاد المصري من اقتصاد موجه إلي اقتصاد حر وطبيعي أن تؤثر تلك القرارات علي حياة المواطنين. وتؤكد انها ضد مصطلح القرارات العشوائية فطالما ان عملية الاصلاح مستمرة فحتما ستكون هناك قرارات صائبة وسليمة وقرارات خاطئة. وعن كيفية اتخاذ القرار السليم قالت التطاوي إن أي قرار جديد لابد أن يدرس جيداً من خلال مجموعة من الخبراء لمعرفة اثاره والوقوف علي كل الانعكاسات التي سببها القرار مشيرة إلي أن تجربتها في الوزارة اثبتت ان القرار المدروس هو الذي يحقق أهدافه وبالتالي فهي تنصح أي مسئول بدراسة أبعاد القرار والتراجع فوراً عن أي قرار لا جدوي منه فلا يوجد أي حرج من التراجع عن القرار اذا ثبت أنه ضد المصلحة العامة. موضحة ان الدراسة العملية مهمة جدا في اتخاذ القرارا وأنا ضد القرارات الانفرادية التي تخدم فئة معينة فالاقتصاد الحر ليس معناه الانفتاح بدون رقابة ولكن معناه أن هناك طرفين للعلاقة ولابد ان تكون هناك حماية للطرف الأضعف لمنع الممارسات الاحتكارية. مضيفة أن رفع القيود عن الاستيراد والتصدير والاستثمار كان يحتاج إلي قرارات سريعة لمجاراة المتغيرات العالمية وبالتالي فإن الوصول إلي قرارات سليمة 100% أمر صعب يصعب تحقيقه مرة واحدة. عشوائية مازالت الدكتورة زينب الأشوح الخبيرة الاقتصادية ورئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة تقول للأسف مازالت هناك عشوائية في اتخاذ القرارات برغم انخفاض نسبتها. مشيرة إلي أن هناك اسبابا كثيرة وراء استمرار تلك العشوائية أو التخبط منها عدم أخذ رأي الفئة العريضة أو المستهدفة أو التي سيخدمها القرار بشكل مباشر بالاضافة إلي أن القرارات متأثرة بمن يملك أكثر والدليل علي ذلك ان معظم الأهداف المطلوبة من القرار لا تتحقق. موضحة ان قرار فصل رئيس هيئة السكك الحديدية مثلا بعد حادث تصادم القطارين لم يحقق هدفه فالحوادث استمرت ومع ذلك لم تتم اقالة رئيس الهيئة الجديد وعن أهم الحلول والأليات المقترحة لحل أزمة عشوائية القرارات في مصر.