بدأ الحزب الوطني الديموقراطي أعمال مؤتمره السنوي الرابع أمس، وسط جدل ساخن حول مستقبل الاصلاح السياسي والدستوري في مصر. وتتضمن أوراق المؤتمر أمورا كثيرة تتعلق بهذا الاصلاح المنشود، منها ضمانات جديدة لاستخدام رئيس الجمهورية الصلاحيات المخولة له طبقا للمادة 74 من الدستور عند مواجهة أخطار تهدد سلامة أمن الوطن، وحق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة دون اللجوء الي الاستفتاء، وحق مجلس الشعب في إدخال تعديلات علي الموازنة العامة للدولة وتوقيتات عرض الموازنة والحساب الختامي علي مجلس الشعب، ومنح مجلس الشوري اختصاصات تشريعية بالنسبة لتعديل الدستور والقوانين المكملة للدستور، وتعزيز سلطات مجلس الوزراء في مجالات مختلفة، والنظام الانتخابي، وكفالة تمثيل المرأة، وتطوير نظام الادارة المحلية والغاء المجلس الأعلي للهيئات القضائية وإلغاء المدعي الاشتراكي، وتعديل القانون 100 لسنة 1993 بهدف القضاء علي المشاكل المتعلقة بعدم إجراء الانتخابات في بعض النقابات، ودعم الجمعيات الأهلية، وتطوير منظومة الإعلام، ودراسة مشروع قانون جديد لحرية المعلومات، وخلافه. ولا يمكن "التهوين" من شأن هذه الموضوعات، أو اعتبار مناقشتها وبحثها كعدمه. لكن لا يجب في نفس الوقت "التهويل" من شأنها واعتبارها غاية المراد من رب العباد. فهي بلا شك أمور ضرورية ويحتاجها الإصلاح، لكنها لا تكفي بأي حال من الأحوال، بل إن الاكتفاء بها - في رأيي - نكسة لقضية الإصلاح. فواقع الحال يقول لنا ان البلاد تحتاج الي إصلاح شامل وهذا الاصلاح الشامل له خطوط عريضة أساسية، منها تعديل المادة 76 والمادة 77 من الدستور اللتان تنظمان الخلافة السياسية وتداول السلطة. وبدون حسم هذه المسألة يظل أي إصلاح جزئي يدور في ظل احتكار الحزب الوطني للسلطة إلي الأبد من الناحية العملية. وهذا يعني إغلاق أبواب الاصلاح - موضوعياً - بالضبة والمفتاح. ومنها إعادة النظر في المادة الثانية من الدستور التي تطرح إشكاليات وتحديات كثيرة لمبدأ المواطنة. ومنها إلغاء لجنة الأحزاب السياسية التي تضع عقبات غير مبررة أمام حرية التنظيم، وتجعل الحزب الوطني الديموقراطي الخصم والحكم في نفس الوقت. وبدون إلغاء هذه اللجنة سيظل لدينا أحزاب متعددة دون تعددية حزبية، مما يجهض اي أصلاح، ويغلق الباب أمام توسيع دائرة المشاركة السياسية. ومنها إلغاء القيود المفروضة علي حق الأفراد والجماعات في إصدار صحفها وقنواتها الاذاعية والتليفزيونية. وغني عن البيان أن الاصلاح الحقيقي لم يعد يفيد معه نظام "الترقيع" أو سياسة الاصلاح ب "القطارة" نقطة نقطة، فالتغيرات الدولية والاقليمية والمحلية تجعل لكل لحظة تأخير وتلكؤ في هذا الصدد ثمنا باهظاً ندفعه من اللوم الحي للتنمية وما يؤدي له ذلك من التدهور الاجتماعي وتراجع الدور الاقليمي لمصر، ناهيك عن تمهيد الأرض أمام الجماعات الأصولية. ولعل المؤتمر الرابع للحزب الوطني الديموقراطي يتخلي عن النظرة الضيقة والبطيئة والجزئية والمملة والمراوغة للاصلاح (علي طريقة تعديل المادة 76).. لأن الأمر يتعلق بمستقبل الوطن والأمة.