المؤكد ان كثيرين مثلي قد افتقدوا رعاية النمر، تلك النسمة التي تتطابق في سلوكها وشخصيتها مع الحرير والحديد معا، نعم.. فرعاية التي عرفتها منذ طفولتي كأستاذة لقريبة لي، ومن احبت فيما بعد استاذي الفنان عبدالغني ابو العنين، هذه الانسانة كان لها من اسمها الكثير، فهي طاقة من دراسة الواقع وطاقة لها قدرة علي حماية هذا الواقع. اذكر الايام والليالي التي سهرتها هذه الجميلة كي ترسم اغلفة مجلة الاذاعة، واذكر الايام التي قضتها تلك السيدة وهي تجوب مصر من اقصاها الي اقصاها كي تسجل بالصورة والقلم شكل اي جلابية شعبية ترتديها اي امرأة مصرية سواء في الصعيد او سيناء او البحيرة او الشرقية، وهي لم تكتف بتسجيل صورة الملابس فقط، بل امتد بها الطموح كي تسجل الحلي بكل ما فيها من تفاصيل، وايضا قامت بتسجيل الاحذية التي ترتديها النساء. كثيرا ما زرتها في بيتها في شارع التحرير بالدقي، وكثيرا ما التقيت بها في مكتبة الاسكندرية ضيفة علي المكتبة، وهي تعرض الازياء المصرية من اقصي الصعيد الي اقصي الصحراء الغربية او الشرقية. ولم يكن حوارنا يدور حول الازياء، بل كان يدور حول اسطورتها الخاصة وهي قصة حبها مع عبدالغني ابو العنين هذا الفنان التشكيلي الذي ارتقي ذات نهار قديم بشكل مجلة روز اليوسف الي مستوي لم تكن تعرفه المجلات الاسبوعية وحين عرض عليه الاخوة علي ومصطفي امين ان يترك روز اليوسف كي ينضم الي اخبار اليوم، قال الكلمة الشهيرة: "انا لا اقبض من روز اليوسف مرتبا فقط، ولكني اعيش مع صحبة احبها". ومن كان يستطيع ان يعطيه صحبة فتحي غانم واحسان عبدالقدوس، وحسن فؤاد وصلاح جاهين؟ لم يكن هناك من يستطيع ان يمنحه تلك الصحبة سوي مبني دار روز اليوسف القديم المتهالك في 18 شارع محمد سعيد خلف مجلس الوزراء وامام مبني المخابرات العامة القديم؟ لم يكن في استطاعة اي كائن ان يعوض اي انسان في روز اليوسف عن مغادرتها. وابو العنين قصة سهلة جدا، ما ان خرج احمد بهاء الدين كي يؤسس صحيفة جديدة اسمها "الشعب" حتي قال لاحسان "لابد من جيل ثان وثالث من ابناء روز اليوسف لان ثورة 23 يوليو خرجت من معطف روز اليوسف المجلة، وهي ستأخذ كتابها ومحرريها تباعا. اذكر ان عبدالغني ابو العنين يؤكد لنا نحن الشباب اننا لن نكون القادة الظاهرين للعلن، لان الثورة ستختار رؤساء تحرير من المؤيدين لها علي طول الخط، ولكنا نحن عصب التحرير لذلك فعلينا ان نفاجئ كل رئيس تحرير قادم بالمشكلات التي يعاني منها المصريون. وذهب عبدالغني ابوالعنين ليؤسس فرقة الفنون الشعبية مع ثروت عكاشة المثقف النادر، وهناك في ردهات الفرقة نشأت قصة الحب بينه وبين رعاية النمر التي كانت تجوب مصر مستكشفة ماذا ترتدي المرأة المصرية. ان التاريخ قد طوي امس صفحة رائعة من حياة المصريات، بطي صفحة رعاية النمر، والتي ارجو ان نهتم بما تركت من كنوز في تصميمات شعبية لملابس المرأة المصرية، تلك المرأة التي هبت عليها رياح من البداوة كادت تقتلعها من جذورها، ورياح من مدينة غربية لم تنجح من قبل في اقتلاع المصرية من جذورها. هاهي رعاية تعودة الي لقاء عبدالغني ابو العنين في فردوس من خلقهما، وهي في كل الاحوال قد ادت ما عليها، يبقي ان نحفظ نحن هذا التراث الجميل.