بقلم: سعد هجرس رغم أن فنزويلا تقع في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وتفصلها عن لبنان بحار ومحيطات، فإن رئيسها هوجو شافيز، أصدر أوامره أمس الأول بسحب سفير بلاده لدي إسرائيل ردا علي العدوان الإسرائيلي علي لبنان. هذه الخطوة الفنزويلية لا تستحق الإشادة والتقدير فقط من حيث أنها تعيد تذكيرنا بأن هناك شيء لا يزال اسمه التضامن بين البشر في مواجهة الظلم والعدوان وجرائم الحرب، وإنما هي تضرب أيضا علي أوتار عربية بالغة الحساسية وتنكأ جراحا عربية موجعة. ذلك أنه من المفارقات المذهلة ان تقدم فنزويلا علي هذه الخطوة الإيجابية بينما ترفض حكوماتنا في العالم العربي التفكير - مجرد التفكير - في اتخاذ قرار مماثل. ومن المؤسف أنه بينما تستمر إسرائيل - للأسبوع الرابع - في شن عدوان همجي علي الشعب اللبناني الشقيق، فضلا عن العدوان المزمن علي الشعب الفلسطيني الجريح، لا تفكر العواصم العربية التي توجد بها سفارات إسرائيلية في طرد السفير الإسرائيلي احتجاجا علي هذا العدوان البربري. ولا أدري سبب للتلكوء في اتخاذ هذا القرار المنطقي، والذي جرت العادة في العرف الدبلوماسي علي اتخاذه في مواقف أدني من ذلك بكثير. وإذا كانت بعض هذه الحكومات العربية قد اختلط عليها الأمر في بداية الأزمة، وارتبكت ردود أفعالها الأولي بحيث تركزت علي لوم الضحية بدلا من لوم الجاني الحقيقي، واندفعت الي نقد "حزب الله" علي النحو الذي فسرته اسرائل علي انه تأييد لها وأنه ضوء اخضر عربي لها بالإجهاز علي المقاومة اللبنانية.. إذا كان هذا قد حدث في الأيام الأولي للحرب السادسة فان تسلسل الأحداث بعد ذلك أثبت بما لا يدع مجالا للشك ان الموضوع ليس موضوع جنديين قام حزب الله بأسرهما، وإنما نحن إزاء خطة ثم وضعها عام 2004 ثم التدريب عليها منذ شهرين قبل اندلاع العدوان الأخير. وان هذه الخطة متفق عليها بين أمريكا وإسرائيل، وان هدفها الحقيقي هو اقامة "شرق أوسط جديد" كما قالت كوندوليزا رايس، وان هذا الشرق الأوسط الجديد يعني منطقة منزوعة المقاومة وخاضعة خضوعا مطلقا للهيمنة الإسرائيلية الأمريكية. وان إدارة بوش وحكومة أولمرت لن يتورعا عن ارتكاب أحقر الجرائم لخلق المناخ المواتي لهذا المشروع الإمبراطوري الاستعماري، بما في ذلك مذابح وحشية مثل تلك التي شهدتها "قانا" للمرة الثانية. وهذا يعني ان العدوان لا يستهدف حزب الله فقط، وان مواجهته لا يجب تركها لحسن نصر الله وحده أو لبنان فحسب ، لان الخطر يهدد الجميع. وبالتالي .. فانه كان منطقيا ان نتوقع ان تغير الحكومات العربية مواقفها الأولي بعد ان اتضحت حقيقة هذا العدوان بصورة واضحة وضوح الشمس، وان تتم ترجمة هذا التغير في قرارات متصاعدة تبدأ بطرد السفراء الإسرائيليين من بلاد العرب وسحب السفراء المصريين من إسرائيل وتجميد كافة أشكال العلاقات الاقتصادية العربية الإسرائيلية. ودون جدوي.. طال انتظار اتخاذ هذه الخطوات، حتي جاءت من شافيز! ولعله يجعل الحكومات العربية المترددة تخجل وتحسم أمرها، وان تستمع الي نبض الناس، وأن تفعلها .. قبل ان يتسع الخرق علي الراقع.