المذبحة المروعة التي أوقعتها اسرائيل بقانا في الجنوب اللبناني أحدثت انقلاباً في الرأي العام الدولي نتيجة التركيز علي الضحايا من الأطفال والمدنيين. وخسرت اسرائيل كثيراً في مجال الدعاية بسبب هذه المجزرة البشعة التي يرتبط اسمها باسم قانا التي شهدت حدثاً مماثلاً منذ نحو عشر سنوات حين لجأ عشرات المدنيين إلي مقر الأممالمتحدة بالمدينة للاحتماء به فقصفته القوات الاسرائيلية وقتلت الجميع. ولكن ما حدث في قانا أدي إلي نزوح واسع النطاق لمن بقي من سكان الجنوب إلي الشمال وبالتالي تحقق لإسرائيل هدف افراغ الجنوب اللبناني من سكانه المدنيين الذين يختلط بهم مقاتلو حزب الله ويضعون القوات الاسرائيلية في اختيار قصف المدنيين. وتحاول اسرائيل جاهدة في هذه المرحلة من الحرب إلي دفع مقاتلي حزب الله إلي شمال نهر الليطاني وكذلك القضاء علي وسائل الاتصال وطرق المواصلات التي قد تتيح توصيل الدعم إلي المقاومة. وتستعد اسرائيل لمواجهة ضرورية دولية تطالبها بوقف اطلاق النار، فلا يمكن تصور ان تظل اسرائيل تضرب في لبنان دون حدود زمنية، لأن للمجتمع الدولي طاقة تحمل لا تستطيع الولاياتالمتحدة تجاهلها إلي ما لا نهاية. وتستهدف اسرائيل التوصل إلي امر واقع في جنوب لبنان يناسبها حين يصبح وقف اطلاق النار ضرورياً.. ويزيد من اصرار اسرائيل علي تحقيق أهداف سياسية واسعة المدي أهمها ابعاد حزب الله عن الجنوب اصرار الدعاية المضادة لإسرائيل علي ابراز صمود المقاومة وانتصارها علي الجيش الاسرائيلي وهو الأمر الذي يسبب حرجاً وقلقاً شديدين للجيش الاسرائيلي. وأما عن الهدف السياسي بإبعاد حزب الله عن الجنوب فهو يصب في اتجاه تسهيل مهمة الحكومة اللبنانية فيما بعد في مفاوضة حزب الله علي نزع أسلحته أو وضعها تحت سيطرة الجيش، كما أن تخفيض القيمة للحزب في لبنان يضعف من الأوراق السورية الطرف الأساسي غير المباشر في المعادلة التي تحكم الصراع الان. وفي كل الاحوال، فإن المعادلات السياسية وموازين القوة والأشياء من هذا القبيل يدفع ثمنها المدنيون من دمائهم وممتلكاتهم وأرواحهم ليصبح الصراع في نهاية الامر "مطحنة" للمدنيين في قانا وبنت جبيل وصيدا وبيروت وغيرها من المواقع التي طالها القصف والمرشحة للقصف في المرحلة المقبلة. ومادامت الولاياتالمتحدة تصر علي خلط الأوراق ووضع العربة أمام الحصان فإن ضحايا من المدنيين سيتوالي سقوطهم سواء في الجانب اللبناني أو الفلسطيني أو الاسرائيلي حتي يتضح لدي القادة المغامرين ان القوة العسكرية لا تكسر الارادة، وأن ارادة السلام هي الوحيدة القادرة علي هزم الحرب.