حوار مع النفس! يستحق كل من جون مير شماير الأستاذ في جامعة شيكاغو وستيفن والت الأستاذ في جامعة هارفارد في الولاياتالمتحدة الاحترام والتقدير عما تقدما به من دراسة عن "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" التي ناقشا فيها مسئولية إسرائيل ودورها في الحرب الأمريكية علي الارهاب التي قادت إلي اضعاف قدرة الإدارة الأمريكية علي معالجة الكثير من الأمور وقالا إن الولاياتالمتحدة تدعم "إسرائيل" دون أن تأخذ باعتبارها أي بعد استراتيجي أو أخلاقي لهذا الدعم، وتقدم لها المساعدات المالية ببلايين الدولارات لتمكينها من بناء المستوطنات وتوسيعها واضافة مساحات جديدة لإسرائيل عاما بعد عام. يقف المرء عند هذا الأمر ويتساءل عن دوافع وأسباب هذا الدعم الكبير حيث يجد الجواب عن تساؤله في البحث الذي تقدم به كل من مير شماير ووالت الذي يقول إن هناك ضغطا كبيرا من اللوبي الصهيوني علي الكونجرس بهدف عدم عرض ومناقشة سياسات أمريكا في هذا المجال وإلي أن اللوبي الصهيوني يوجه من قبل لجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأمريكية المسماة "آيباك" وجماعات الولاء اليهودي وشخصيات كبيرة رئيسية في الإدارة الأمريكية معظمهم من المحافظين الجدد في إدارة بوش وبعض الجهات الإعلامية وشخصيات انجيلية لها تأثيرها الكبير في السياسة الأمريكية والتي تعتقد أن وجود إسرائيل كان بأمر من الله. لقد أثارت هذه الدراسة جدلا كبيرا وضجيجا قويا مما دفع اليوت كوهين "وهو أستاذ الدراسات الدولية في جامعة هوبكيز المعروف بتأييده للسياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل" للتصريح في صحيفة الواشنطن بوست بأن هذا البحث معاد للسامية ويضم أفكارا عدوانية لا عقلانية عن اليهود. إلا أن هذا التهجم اللاذع الذي يناهض ويسفه أفكار "مير شماير ووالت" لم يقدم لنا الأسباب الداعية للدعم اللامحدود الذي تقدمه الولاياتالمتحدة "لإسرائيل" والذي يثير العديد من التساؤلات في أوروبا والعالم. ومن المؤكد أن وجود لوبي صهيوني في الولاياتالمتحدة يملي عليها ما يرغبه من سياسات تتعلق بالشرق الأوسط وتحقق المصالح الإسرائيلية فضلا عن وجود عدد من لوبيات أخري ذات تأثير فعال في مجالات متعددة مثل لوبي بيع وحمل السلاح ولوبي المزارعين ولوبي تحرير كوبا من الشيوعية الذي يظهر جليا في العداء المستحكم بين الإدارة الأمريكية والحكومة الكوبية. إن لجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأمريكية والمجموعات المؤيدة لإسرائيل تعمل بكل نشاط وبأسلوب محترف لتحقيق مصالحها والمصالح الإسرائيلية ويلاحظ أن الإدارات والقيادات الأمريكية المتعاقبة تنحاز إلي إسرائيل وتؤيد سياساتها بشكل واضح خلافا للتعاطي مع القضية الفلسطينية التي يكتنفه الغموض والتردد. إن التعاطف الأمريكي والتأييد اللامحدود للسياسات الإسرائيلية، والتأثير القوي للوبي اليهودي علي الكونجرس أدي إلي تعرض الولاياتالمتحدة إلي خطرين كبيرين أولهما الكره والعداء الذي تكنه شعوب "الشرق الأوسط" للولايات المتحدة والناجم عن انحيازها "لإسرائيل" ورفضها ممارسة ضغوط حقيقية عليها لايقاف توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وغيرها لقد أصبح أي نقد يوجه إلي إسرائيل "في نظر تلك المجموعة" عداء للسامية يستوجب القصاص من أي مفكر يناهض التصرفات اللاأخلاقية التي تقوم بها إسرائيل، ومثال علي ذلك قضية تشارلز بيرس عضو مجلس الشيوخ الذي مني بهزيمة في الانتخابات التي جرت عام 1984 حيث أجمعت الاَراء علي أن تلك الهزيمة تم التخطيط لها من قبل اللوبي الصهيوني للثأر من مواقفه من إسرائيل والتي اعتبرت في نظرهم مناهضة للسامية، وآخرون اتهموا بالمعاداة إما لأنهم أشاروا للاحتلال الإسرائيلي أو لتوسيع المستوطنات، وذلك أصبح من المتعارف عليه في "الكابيتول هيل" إن أي تجد للسياسة الأمريكية الإسرائيلية يضع المتحدي في خطر كبير. أما الأمر الاَخر الذي يعرض الولاياتالمتحدة للخطر فهو تشبيه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي للحرب الأمريكية علي الارهاب حيث جري تشبيه ما تعرضت له الولاياتالمتحدة من هجمات في الحادي عشر من سبتمبر بالهجمات التي يتعرض لها الإسرائيليون. إن نظرية الإرهاب التي تبناها المحافظون الجدد والتي سوقها اَرييل شارون "قبل وقت طويل من غزو العراق" تقوم علي أن العالم ينقسم إلي قسمين الخير والشر فإما أن تكون معنا أو ضدنا" ذلك ما ردده بوش في خطاباته "لقد توحدت الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية فيما يخص" الشرق الأوسط قادت إلي نتائج كارثية حسب رأي ميرشماير ووالت، ومن غير المتوقع حدوث أي تغيير في تلك السياسة طالما أنه يوجد لوبي صهيوني يسيطر علي الوضع في الولاياتالمتحدة فضلا عن المجموعات اليهودية التي تهيمن علي الاقتصاد في أوروبا والسياسة الخارجية في أمريكا والعالم، وقد بات معروفا هذا الدور الصهيوني علي مستوي العالم والذي سبق وأن عبر عنه ادوارد تيفنان بكتابه المسمي "اللوبي القوة السياسية الإسرائيلية والسياسة الخارجية الأمريكية" وأشار به إلي أن الجماعات المؤيدة لإسرائيل قد أغلقت النقاش في مقر الكونجرس حول السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل ووضعت شتي العوائق أمام عملية السلام في الشرق الأوسط، وبذلك لم يلق هذا الكتاب الذي تم نشره عام 1987 أي اَذن صاغية من قبل الجهات المسئولة في الولاياتالمتحدة وعليه لن يكون مصير البحث المعد من قبل جون ميرشماير وستيفن والت أفضل حالا مما جاء بكتاب تيفنان في ظل النفوذ الكبير للوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة.